التقدم العلمي في خدمة التخلف!

"أخي المسلم، أختي المسلمة اليوم الخميس وغدا الجمعة، أنشر ولك الأجر" هذه رسالة وصلتني بالموبايل من الإعلامي الساخر والمبدع فؤاد التكروري، وهي تعلق بسخرية عميقة وذكية على ما يجري في الإنترنت والبريد الإلكتروني والموبايل والفضائيات، وكيف أصبح هذا التقدم التقني المدهش وعاء لنشر الخرافة والتطرف والتخلف في مشهد سوريالي يؤكد على أن الإصلاح والتنمية لا يمكن أن يكون مبتدأها ومنتهاها وغايتها إلا في الإنسان بذاته.

اضافة اعلان

ربما يتذكر القراء على اختلاف أجيالهم الرسالة التي تنسب إلى الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم النبوي الشريف عن الحلم الذي رآه، واقتراب وقوع القيامة، وأن على قارئ الرسالة أن يكتبها وينشرها والا فإنه آثم وقد تصيبه الثآليل في وجهه ويموت على الفور. هذه الرسالة توزع اليوم على نطاق واسع بالإيميل، ويوزع مثلها أيضا المئات من المواعظ والأخبار والأدعية العجيبة ووصفات لعلاج السحر والحسد وإخراج الجن من الجسد أو أخبار عظيمة ودعوات حارة على الصحافيين والرسامين المسيئين للرسول أو معالجات إعجازية وكرامات في القضايا السياسية والنزاعات التي ألبست ثوب الإسلام والعقيدة الإسلامية.

   وربما لا يكون مبالغة القول إن الإنترنت والفضائيات تكاد تكون أغلبها مسخرة لنزعتين من التخلف تبدوان لي وجهين لعملة واحدة، وهما النصوص والصور والتشات القائمة على الترفيه الغرائزي الجسدي، أو تلك القائمة على أفكار وسلوكات ومواقف ترواح بين التطرف والخرافة والاستثمار الفج في عواطف الناس وغرائزهم. وكان هؤلاء المتخلفون والمستثمرون في التخلف الأسبق والأكثر كفاءة في استخدام الإنترنت والتقنية العلمية وتوظيفها فضلا عن فهمها.

   والغريب أن العلماء والباحثين والخبراء والمؤسسات العلمية والتعليمية والتثقيفية والطبية والصحية لم يكتشفوا بعد الإنترنت إلا على نحو خجول وبدائي، فلا تجد موقعا معقولا لتعليم الأطفال والبالغين مثلا المهارات والتخصصات المختلفة، ولا تجد موقعا للمناهج التعليمية والتدريبية، ولا تجد موقعا للبحث العلمي والنشر والتداول في قضايا جادة ومتخصصة.

   وإن بحثت في الإنترنت حول قضية علمية أو سياسية أو ثقافية يتدفق عليك غثاء من الإثارة والتحريض والزعبرة، وكل ما يثير الاشمئزاز ويضيع الوقت ويصيبك بالاكتئاب والإحباط. وبالطبع فثمة استثناءات وبخاصة في الإعلام الذي كان بحق أسبق القطاعات المهنية والتنموية في استخدام الإنترنت، وهذه فضيلة عظيمة ومأثرة للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية في الوطن العربي، فلدينا مواقع للصحف العربية، ومواقع أخرى تعمل على الإنترنت فقط مثل إيلاف، والإسلام اليوم، والإسلام أون لاين وغيرها كثير، وأما موقع قناة الجزيرة الفضائية (الجزيرة نت)  فهو مؤسسة إعلامية كبرى لا تقل عن القناة الفضائية نفسها، ويضيف إليها الكثير جدا من الاخبار والتحليلات والمعالجات.

   الملفت في رسائل الشعوذة التي تصلك بالإيميل والموبايل أن مصدرها في كثير من الأحيان شباب متعلمون ومثقفون ومتخصصون في مجالات علمية واجتماعية متقدمة، ودرسوا في جامعات عربية وغربية، وأرجو ألا يشعر الأصدقاء ممن على قائمتي في الموبايل والإيميل بالغضب أو الإحراج، لدرجة أن أحد هؤلاء الأصدقاء ممن يحمل شهادة علمية متخصصة ونادرة في الأردن وتلقى تدريبا متقدما في عمله في أوروبا دأب على أن يبعث لي بالموبايل يذكرني بالدعاء على الأعداء في المناسبات والفرص التي يكون الدعاء فيها مجابا! وأخبرني مرة بأن الرسام الدنماركي الذي اقترف جريمة السخرية قد قتل، ثم يقول لي أنشر الخبر على أوسع نطاق، فاتصلت به مرة متسائلا بحيرة كيف يمكنك أن تفصل بين قدراتك العلمية وتخصصاتك القائمة على مناهج علمية تجريبية وبين أفكار ومقولات تبدو لا علاقة لها بالعلم والمعرفة والمنطق؟ ولكن أستاذا جامعيا حصل على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأميركية رد على حيرتي وتساؤلي بدهشة واستنكار: ألا تعلم أنها علوم لا تنفع ولا تساوي شيئا، وأن العلم فقط هو قال الله وقال الرسول.

[email protected]