التقدم عشرين عاما إلى الخلف

عندما ذهب الفلسطينيون إلى مؤتمر مدريد، العام 1991، رضوا بشروط صعبة من حيث تمثيلهم؛ فلم يسمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بالجلوس إلى الطاولة، وقيّد التفاوض بشأن القدس، وأمور أخرى منها استبعاد مظلة الأمم المتحدة.اضافة اعلان
رأى الفلسطينيون حينها أنّ الطريق الذي يوصلهم لغايتهم، والمتمثل بالأمم المتحدة وقراراتها مغلق بفعل العقبة الأميركية، فقرروا سلوك طريق التفافي (تحويلة)، هو أيضا طريق أميركي (يسمى مؤتمر مدريد)؛ أي جرى الهروب من الأميركيين للأميركيين.
العودة للأمم المتحدة هي تخل عن الطريق البديل الذي سلكه الفلسطينيون عشرين عاما من دون طائل. لقد اتضح أنّ الطريق التي يصر عليها الأميركيون هي متاهة تعيد إلى النقطة نفسها.
في "الطريق–المتاهة"، تحققت أهداف من نوع تحسن موقع منظمة التحرير التفاوضي، وعودة مئات آلاف إلى فلسطين، مرورا بقناة "أوسلو". وبالتوازي انسحبت إسرائيل، بفعل المقاومة من غزة وجنوب لبنان. وانتفض الفلسطينيون أكثر من مرة مثبتين قدرتهم على تغيير مسار الأحداث. ولكن الاستيطان تضاعف، واستمرت المجازر والجرائم الإسرائيلية.
ما يستاء منه الأميركيون هو أنّ المعادلة التي فرضوها، منذ العام 1967 على الأقل، من حماية إسرائيل في الأمم المتحدة، تتزعزع قليلا، ويستاؤون من أنّهم لن يكونوا "المايسترو" الذي يفرض إيقاع الحركة السياسية، فتنشط متى شاؤوا وتخفت كلما رأوا ذلك. وعمليا، لن تُغيّر الخطوة الفلسطينية المقبلة الواقع على الأرض كثيرا، ولكن نتائجها بعيدة المدى، إذا ما استمرت مثل هذه الخطوات، تزعج واشنطن.
الفلسطينيون يجدون أنفسهم عند ذات الأسئلة التي واجهوها عندما ذهبوا إلى مدريد. تساؤلوا حينها، هل هناك داع لذلك؟ وما الفائدة المرجوة؟ وتساءلوا إن كان حل الدولتين هو ما يريدونه حقا؟ ومصير قضايا اللاجئين، وأرض فلسطين التاريخية. ذات الأسئلة بلا أي اختلاف تطرح الآن أثناء التوجه لركوب عربة الأمم المتحدة.
اختلاف مهم في المشهد الآن أنّ حركة حماس و"الجهاد الإسلامي" تعارضان بشكل عقلاني، وربما "ناعم" هذه الخطوة، فيما يبدو منح فرصة لها. وهذا أمر لو كان الطرف الأميركي–الإسرائيلي يسعى إلى حل لابتهج له، ولكن الأمر ليس كذلك. ويكتسب حراك القيادة الفلسطينية زخما شعبيا وحماسا في أوساط عديدة، ولكن مع قدر عال من التشكك والأسئلة التي تنتظر الإجابة، والتي ينتظر البعض من الرئاسة الفلسطينية توضيحها. هذا الزخم كان موجودا العام 1991، عندما بدأت المفاوضات، وكان موجودا بفضل منظمة التحرير وهيئاتها وفصائلها التي كانت أكثر حيوية، والآن بفعل الأمل بتغير ما، وربما ردة فعل على العنجهية الأميركية الأوروبية التي تحاول بدرجات مختلفة منع الفلسطينيين من مجرد التنفس في الأمم المتحدة.
أفضل ما هو موجود الآن هو الحراك/ الترقب الشعبي، والخطاب المعقول من حيث هدوئه واتزانه بين قيادة منظمة التحرير و"فتح" من جهة وفصائل المعارضة من جهة ثانية. وأهم معنى للذهاب إلى الأمم المتحدة هو التأكيد أن واشنطن وطرقها وألاعيبها ليست قدرا فلسطينيا، وأنّ خلط الأوراق ممكن، وحتى قلب الطاولة في لحظة ما.
إذا كان من غير المتوقع أن يسفر الذهاب إلى المنظمة الدولية عن نتيجة سريعة، فستكون هذه الخطوة مهمة وذات معنى إذا حدث التفعيل للمصالحة الفلسطينية، واستمر الذهاب للمحاكم والهيئات الدولية، وسيكون إجبار واشنطن على استخدام "الفيتو" أكثر من مرة، عقابا لها يضر بمكانتها الدولية، ويحرجها، ويضرب دبلوماسيتها الشعبية. في الأثناء، يجدد الشعب بناه القيادية والشعبية والاجتماعية، وأساليب المقاومة المناسبة، ويحدد خياراته التي قد تتضمن حل الدولتين أو لا تتضمن، وسيكون الطرف الأميركي–الإسرائيلي المسؤول عن فشل هذا الحل. إذا حدث مثل هذا الأمر فسيكون الذهاب إلى الأمم المتحدة بداية جديدة للعمل الفلسطيني، أو نهاية لمرحلة المتاهة.