التقليل من شأن الأبناء يؤثر على نموهم وثقتهم بأفعالهم

معظم الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية عاشوا طفولة مشوهة وتعرضوا الى قسوة شديدة من قبل الأهل -(أرشيفية)
معظم الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية عاشوا طفولة مشوهة وتعرضوا الى قسوة شديدة من قبل الأهل -(أرشيفية)

منى أبوحمور

عمان- التغير في تقبل خالد ذي العشرة أعوام لأصدقائه في الصف بدا واضحا، وفق مربية صفه عايدة أبو قريق التي لاحظت عليه الكثير من التغيرات في شخصيته؛ حيث أصبح أكثر ميلا للوحدة والانطوائية ولم يعد متفاعلا داخل الصف وحتى في حصة الرياضة.اضافة اعلان
وتلفت أبو قريق التي تمضي معظم الحصص برفقة خالد، إلى أنه من الطلاب شديدي الحساسية وتؤثر فيه أي كلمة غير لطيفة، ويشعر بأنه مختلف عن أقرانه في التميز في الغرفة الصفية.
وتقول أبو قريق إنه ومن خلال تواصلها الدائم مع خالد لمست الشعور السلبي المترسخ حول ذاته في نفسه، مشيرة إلى أن ذلك مرده التوبيخ الذي كان يتعرض له من قبل والديه، بسبب تدني بعض علاماته ومقارنته الدائمه بأخيه الأصغر منه، مما تسبب له بصدمة نفسية وعزز لديه الشعور بأنه فاشل ولا يصلح لشيء.
الأمر ذاته تواجهه الأربعينية هيفاء مصطفى مع ابنها أحمد في الصف الثامن الذي لا يتفق مع والده أبدا وهما على خلاف دائم في كل شيء.
أسلوب والد أحمد في تعامله معه، وفق هيفاء، سبب الكثير من المشاكل بالنسبة لها ولأحمد، خصوصا عندما يبدأ التقليل من شأنه أمام إخوته وأمام العائلة الكبيرة ناعتا إياه بالعديد من الصفات وأنه لا يستطيع أن يعمل شيئا كاملا بدون أن يخطئ.
أسلوب والد أحمد المتكرر في التقليل من شأن أحمد أثر عليه كثيرا، بحسب والدته، حتى إنه لم يعد ينضم إلى عائلته طوال فترة تواجد والده في المنزل.
الكثير من أولياء الأمور يقعون في أخطاء كثيرة في تعاملهم مع الأبناء؛ بسخريتهم الدائمة من بعض السلوكيات التي يقومون بها، الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على نموهم النفسي وثقتهم بأفعالهم وعلاقتهم مع الآخرين.
التقليل من شأن الأطفال من قبل أولياء أمورهم يكسر ثقة الأطفال بأنفسهم ويؤثر بشكل كبير على تعاطيهم مع الآخرين، وفق الخبراء الذين أكدوا أهمية انتهاج أساليب تربية تحفز الأبناء على الإبداع والتميز وإيجاد قنوات للحوار والتفاعل داخل المنزل.
الاستشاري الأسري مفيد سرحان، يشير إلى أن الأولاد نعمة من الله للآباء ولا يدرك هذه النعمة إلا من يقدرها، مؤكدا أن تربية الأبناء مهمة ليست سهلة، خصوصا مع كثرة المؤثرات الخارجية، وتحديدا وسائل التواصل الاجتماعي التي تعد الحلقة الأضعف في التربية في كثير من المجتمعات وهي الأسرة، مما صعب مهمتها.
ويبقى للأسرة، بحسب سرحان، شأن وقيمة ودور تستطيع أن تقوم به إن أحسنت الاستفادة من إمكانياتها وكان الأبوان مؤهلين لهذه المهمة وهي التربية.
وهذا يحتاج ابتداء، كما يقول، تأهيل الآباء والأمهات لتربية أبنائهم، مبديا أسفه من أن البعض لا يحسن مثل هذا التعامل، ويلجأ لأساليب بعيدة كل البعد عن العملية التربوية ومنها؛ ضعف الحوار داخل الأسرة مع الأبناء، بغض النظر عن العمر، أو افتقاده بين الزوجين مما ينعكس سلبا على الأبناء، أو استخدام ألفاظ غير لائقة أثناء التخاطب.
ويبين سرحان أن إساءة الأهل للأطفال ليست باللفظ فقط، وإنما بالجوارح من خلال النظرة السلبية والضرب في بعض الحالات، في حين يلجأ البعض الآخر إلى التعنيف عند أي خطأ وآخرون يلجأون للمقارنة، وهذا يولد ردود فعل سلبية عند الأبناء.
ويقول سرحان “الأصل أن يلجأ الوالدان إلى أسلوب الحوار الدائم وتدريب الأبناء على ذلك، وإلى المشورة أيضا داخل الأسرة، وما يتعلق باحتياجات الأبناء واعتماد أسلوب التعزيز، كتعزيز الإيجابيات وتعظيمها أكثر من التركيز على الأخطاء والسلبيات”.
بدورها، تقول أخصائية علم النفس والإرشاد التربوي، نور زيادة “إن الأولاد أمانة في أعناقنا وهم استثمارنا في الحياة”، وبالتالي يجب أن يكون من حولهم منصفا بحقهم ليس ماديا وإنما معنويا.
وتضيف “أن جميع الأولاد مميزون وكل منهم مميز بطريقة وجانب معين وكلهم مبدعون وكل منهم مبدع بجانب معين، الأمر الذي يتوجب على الجميع تشجيعهم على الإبداع والابتكار والتميز، بأن يكون الكبار قدوة لهم ومثالا مميزا أمامهم لكل ما هو إيجابي”.
وتؤكد زيادة، أن الاستمرارية في تشجيع الأولاد تزيد أكثر من إنتاجيتهم وتميزهم والعكس صحيح تماما، مبينة أن التقليل من شأنهم يضعف من قدراتهم ويحد من إنجازاتهم ويقلل من ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذاتهم.
وتنوه إلى ضرورة أن يأخذ الأهل بعين الاعتبار أهمية ما يقولونه عن أبنائهم أمام الأقارب والأصدقاء ومدى تأثير هذا الكلام عليهم؛ إذ إن بعضهم يغفل عن تأثير ذلك عليهم، فالكلمة الطيبة تغذي ثقتهم بأنفسهم وأخرى سيئة تهبط من عزيمتهم وإرادتهم.
وتقول زيادة “يجب علينا مراعاة مشاعر الأولاد التي يبنى عليها الكثير والكثير من الأساسيات في حياتهم”، مبينة أن التقليل من شأن الأولاد، طريقة سلبية تؤدي إلى ظهور شخصيات ضعيفة مترددة غير واثقة من نفسها.
وتقدير الذات أمر مهم جدا، كما تقول، ولا بد من السعي لإيجادها وتنميتها عند الأولاد، ويجب على كل أم وأب أن يحرصا على تشجيع أولادهما وتحفيزهم لا التقليل من شأنهم ومنحهم مساحة للتعبير عن أنفسهم وآرائهم، ومشاورتهم في كثير من الأمور التي تتعلق بهم مع الاستمرار بمراقبتهم من بعيد.
وعلى الصعيد النفسي، يشير أخصائي علم النفس، الدكتور موسى مطارنة، إلى أن معظم الأشخاص الذين يعانون من عقد ومشاكل نفسية، هم بالأصل عاشوا طفولة مشوهة، وتعرضوا الى قسوة شديدة من قبل الأهل، لافتا إلى أهمية التعامل مع الأطفال بعقلانية ورقي، حتى وإن أخطأوا، والبعد عن كل ما يؤذي الطفل نفسيا ومعنويا وذهنيا.
ويلفت إلى أن قيام أولياء الأمور في بعض الأحيان بنعت أبنائهم ببعض الصفات غير المرغوب فيها مثل “فاشل” أو “غبي”، “شو مفهمك أنت” وغيرها من المصطلحات ترسخ في أذهانهم، وتجعل شخصياتهم سلبية وتجعل منهم أشخاصا غير أسوياء نفسيا ولديهم إحساس بعدم الثقة في النفس، مما ينعكس على علاقتهم بالآخرين عند الكبر.