التمويل الأجنبي: أين الخلل؟

 

الجدل الذي يدور حول التمويل الأجنبي لمنظمات وبرامج المجتمعات المدنية والجمعيات الخيرية يبتعد عن القضية الأساسية ويقترح ضوابط لما هو منضبط, وينسى ما يحتاج إلى تذكير، فالتمويل الأجنبي ليس مشكلة بذاته ولا خطأ يجب تصحيحه، على الأقل لدينا في الأردن، فيجب أن نعترف أنه من دون التمويل الأجنبي لا يمكن تطوير وتفعيل العمل المجتمعي، وبخاصة أن القطاع الخاص والأغنياء في بلدنا في حالة غياب كبير ومخجل عن المجتمع المدني، وبالطبع فإنه تعميم ظالم، ولكن الاستثناء لا حكم له، فالقاعدة هي تعميم على الغالب.

اضافة اعلان

وربط التمويل الأجنبي بموافقة الحكومة هو مزيد من الخطأ في عملية التمويل الأجنبي، بل إنه تفريغ كامل لبرامج المجتمع المدني من محتواها وإجهاض تام لها، لأن الفكرة الأساسية للمجتمع المدني هي الاستقلال عن الحكومة، ولذلك فإن ربط العمل المجتمعي بالحكومي يضر بالطرفين، لأنه في حالة حسن النية والرغبة الطيبة في العمل يلحق العمل المجتمعي بالحكومة ويفقده المبادرة والقدرة على التأثير والتوازن والاعتماد على الذات، وفي الحالات الأخرى يزيد من الظلم على المجتمعات، ويحرمها من الفرص والخيارات التي تستحقها.

مشكلة التمويل الأجنبي متصلة بالعمل المجتمعي والعام كله، وينطبق عليها ما يجب أن ينطبق على جميع المؤسسات والبرامج العامة، والمعيار الأساسي لتنظيمها هو ببساطة أن تكون أهدافها وبرامجها تخدم الأهداف التنموية والعامة للدولة والمجتمع، وأن تخضع للرقابة المالية، ديوان المحاسبة على سبيل المثال، وما يجب أن نلاحظه ونبحث عنه هو مدى مواءمة برامج التمويل الأجنبي للأهداف والاحتياجات الحقيقية، والفساد المالي والإداري الممكن أن يرافق هذه البرامج، وأما ربط التمويل بالحكومة فلن يفيد في تنظيم التمويل الأجنبي وفق هذين المعيارين، ولكنه يجعل الفساد والخطأ مشرعنا ومقبولا بموافقة الحكومة، وكأننا نقول ليس مسموحا بالفساد والإثراء غير المشروع إلا بموافقة الحكومة، وليس مسموحا بالبرامج والأعمال الخاطئة أو التي لا تخدم الأهداف التنموية إلا بموافقة الحكومة! وما سوف يحصل عند تطبيق هذا القانون هو استبدال أثرياء التمويل الأجنبي من شطار المجتمع المدني إلى شطار الحكومة، ونقل برامج العمل الوهمية من المبادرين إلى الحكومة.

إن الدور الرقابي والتنسيقي للحكومة واتجاهات التخاصية والتنافسية التي بدأت الحكومة تتبناها يقضي بإطلاق الحرية لمنظمات المجتمع المدني لتحصل على التمويل الأجنبي (وغيره إن أمكن) ولكن ضمن قواعد تنظم هذا العمل، ولا بأس أن تكون تفصيلية وواضحة، ولا يكتفى بالأهداف العامة، وضمن الرقابة المالية على هذه البرامج.

لم تكن المشكلة بتقديري مع التمويل الأجنبي لأنه تمويل اجنبي، ولكن المشكلة الحقيقية أن معظم هذه الأموال تذهب إلى برامج العلاقات العامة والفنادق والترفيه والتسلية، وأن جزءا كبيرا منها يذهب إلى جيوب المقاولين والشطار والزعران في حقل المجتمع المدني، وإذا كانت الحكومة راغبة بالفعل في تنظيم التمويل الأجنبي وفي حماية المجتمع فيمكنها أن تضع ضوابط كافية لجعل هذا التمويل يصل إلى أهدافه ومستحقيه، وأتوقع أن الممولين الأجانب يرحبون بهذه الضوابط، فمن المؤكد أنهم اقتطعوا هذه الأموال من مواطنيهم ودافعي الضرائب عندهم ليس لأجل أن تنفق على الفنادق والسياحة والبرامج والنشاطات الوهمية أو أن تتحول إلى جيوب ومصالح وكلاء وموردي البرامج والأنشطة، إلا إذا كنا, وهذا ما أخشاه بالفعل, قد طورنا في بعض مؤسسات المجتمع المدني آليات جديدة للفساد والشراكة مع القائمين على برامج التمويل الأجنبي.

مرة أخرى! القضية الأساسية هي الفساد والتفعيل، وإذا كان التمويل الأجنبي يلامس الاحتياجات الحقيقية فهو موضع شكر وترحيب وتقدير، وأتوقع أن المشكلة فينا وليست في الأجانب.