التمويل الإسلامي وأولويات التنمية الاقتصادية

كما هي بقية اقتصاديات الدول النامية أو تلك التي هي في الطريق، فإنها أكثر ما تكون بحاجة إليه هو مصادر تمويل قادرة على تلبية حاجات خطط التنمية الاقتصادية، فإما أن تلجأ هذه الدول إلى الاقتراض الخارجي وما يترتب عليه من أعباء وتكاليف مرتفعة تمس أحياناً سيادة هذه الدول، أو تبحث عن تعبئة مواردها المحلية والمتمثلة في مدخرات الأفراد والمجتمع ثم تعيد توظيفها في المشاريع التنموية المرجوة.
هنا يأتي دور القطاع المصرفي للقيام بهذه المهمة، من خلال وظيفته كوسيط مالي ينظم انسياب رؤوس الأموال من الوحدات الاقتصادية ذات الفائض إلى الوحدات الاقتصادية ذات العجز.
المشكلة أحياناً تكمن في شح الموارد المحلية وعدم قدرتها على الاستجابة لحاجة الخطط التنموية من التمويل اللازم لها، ففي هذه الحالة تكمن وظيفة الجهاز المصرفي في الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة والحفاظ عليها من التشتت والضياع، والتوجه إلى تقديم التمويل للمشاريع الاقتصادية التي من شأنها أن تحدث تنمية اقتصادية وتسهم في توظيف الأيدي العاملة والتقليل من حدة الفقر من منطلق المسؤولية الوطنية.
عندما يسهم هذا القطاع في خلق بيئة اقتصادية سليمة، فإنه ومما لا شك فيه سيجد في قطاع البنوك فرص استثمار أفضل يسعى من خلالها لزيادة حصته من الأرباح ويحقق أهدافه التي وجد من أجلها، وهنا الحديث يشمل مكونات القطاع المصرفي كافة وبشقيه الإسلامي والتقليدي.
ولهذا نجد أن الجهاز المصرفي أو قطاع البنوك، إن جاز التعبير، هو المسؤول عن التقدم الاقتصادي في اليابان والعديد من الدول الأوروبية والصين، كما حافظ على قطاع إنتاج ينمو بشكل متواصل، وكذلك المكانة الاقتصادية لهذه الدول وغيرها من الدول التي حققت تقدما ونموا اقتصاديا.
وفي الوقت نفسه، فإن القطاع المصرفي هو نفسه المسؤول عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي اندلعت قبل ما يقرب من عشر سنوات، وما تزال إرهاصاتها إلى يومنا هذا في العديد من دول العالم عندما تجرد هذا القطاع من المسؤولية الأخلاقية بهدف تعظيم أرباحه بشتى الوسائل، فكانت أزمة الرهن العقاري وما تلاها من انهيارات في أكبر المجموعات المصرفية في العالم، والأميركية منها خاصة، وقد عزا العديد من خبراء الاقتصاد والمال ذلك الى سلوك الجشع في جني الأرباح الطائلة من ارتفاع معدلات الفائدة، وعدم قدرة المقترضين سواء الصغار منهم ممن اقترضوا لتأمين مأوى لهم وتسوية حاجاتهم الاستهلاكية أو على مستوى كبرى المجموعات الاستثمارية التي تراجع لديها الطلب ولم تعد قادرة على تسديد التزاماتها تجاه البنوك، وكانت بداية الأزمة.
في هذه اللحظة، اتجهت الأنظار إلى الصناعة المصرفية الإسلامية، وخاصة بعد نجاحها في تجاوز آثار الأزمة المالية العالمية، وما رافق ذلك من زيادة في الطلب على منتجاتها المالية، ما أوجد لديها حالة من التحدي لكسب المزيد من الحصة السوقية في الأسواق المالية العالمية، وتسابقت المصارف التقليدية لفتح نوافذ مالية إسلامية لديها لغرض المنافسة، ما فرض على مصارفنا الإسلامية التمسك بقوة برسالتها الأخلاقية الملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية.
تفرض المبادئ التي قامت عليها المصارف الإسلامية ومنحتها القوة والثقة لتصبح منافساً حقيقياً للمصارف القائمة، عدم تقديم أي نوع من التمويل للمشاريع التي تخالف الشريعة الإسلامية أو إنتاج أي سلعة محرمة يمكن أن تلحق الضرر بالمجتمع، وعليه فإنها ملزمة بنهج السلوك الإسلامي، والمقصود هنا بالسلوك؛ الالتزام بكل المعايير الأخلاقية التي وردت في الشريعة الإسلامية، وأقرها القرآن الكريم والسنة النبوية، مثل عدم الاحتكار واستغلال حاجيات الناس وضروريات المجتمع، ونهى عن التبذير والإسراف وعدم حجب الزكاة التي هي بمثابة الضريبة الشرعية وما شابه ذلك.

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي