التنمية عملية طويلة ومضنية

لا تسير خطط الحكومة لإحداث التنمية خارج عمان كما يجب، وحتى اليوم لم يلمسْ الناسُ تغيرا جوهريا في واقع التنمية في المحافظات، رغم أهمية الملف وحساسيته، لمستقبل الحكومات، إذ لا تمضي فترة حتى يعيدَ الملكُ تأكيداتِه المستمرة على أهمية تحقيق إنجاز حقيقي في هذا المحور.
الحكومة تدرك أهمية الملف، لكنها تعجز أحيانا عن إيجاد حلول تتجاوز فيها ضعف ثقافة التنمية في مجتمعاتنا، فالاجتماعات المتكررة التي عقدها فريق من الوزراء المعنيين وعلى مدى أشهر جالوا خلالها في جميع المحافظات، كشفت أن عقلية المجتمعات، بدون استثناء، ما تزال تدور في فلك تقديم الخدمات.
الخلاصة، أن المجتمع لا يمتلك قدرا كافيا من المعرفة بمعنى التنمية الحقيقية، ومعظم المطالب المجتمعية للأسف كانت تتمحور حول إنشاء مشاريع خدمية، يوجد منها الكثير، وأنفقت عليها حكومات سابقة مبالغ طائلة، ورغم ذلك لم تحظَ برضا المجتمع.
المطالب تتركز حول إنشاء مراكز صحية أو مستشفيات، وربما مدارس وطرق، ودعوات لتوسيع التعيينات في مؤسسات ومديريات القطاع العام، وكل هذه المطالب لا علاقة لها بتحقيق هدف التنمية، الذي يحتاج فعلا لأفكار خلاقة تقدمها الحكومة، وإرادة مجتمعية تدرك أن الأدوات القديمة البالية لم تعد صالحة لخدمة طموحاتهم وتطلعاتهم لحياة أفضل.
ما الحل؟ وكيف تتجاوز الحكومة المنطقة الحرجة، وتقول للناس، إن كل مطالبهم لا قيمة لها في المستقبل التنموي المنشود، وكيف تنتقل بهم إلى مرحلة مختلفة من التفكير المنتج؟
المطلوب مقاربة إنتاجية، تؤمن بها المجتمعات قبل الحكومة، بحيث تعلم جيدا أن إنشاء المشاريع الخدمية لا يوصل أبدا إلى الإنتاج، بل يكرس معادلة قديمة ما زلنا نجترها منذ عقود.
التنمية عملية طويلة ومضنية، والمخرج الوحيد لتحقيقها، ليس بالمدى القصير، والتغيير الذي يمس حياة الناس لا يمكن تحقيقه في مدى قصير، بل يتطلب خططا متوسطة المدى وأخرى طويلة.
المطلوب من الحكومة اعتراف شجاع للمجتمعات، تعلن أنها لن تنفق الأموال المتاحة اليوم على مطالب تدرك جيدا أنها لن تنجز المؤمّل، وكأنها تواجه المجتمعات بخطأ تفكيرها.
ثم عليها أن تقيم البنية التحتية المطلوبة، ودراسة طبيعة كل منطقة، والتخطيط تبعا لذلك، فما الذي يمنع أن تكون منطقة عجلون منطقة سياحية بامتياز، وما الذي يحول دون كون السلط منطقة صناعية وموقعا للسياحة التراثية؟
اليوم لدينا نموذج مصغر للفكرة في معان يمكن البناء عليه، وتنميته، فمعان اليوم تشهد توسعا في المنطقة الصناعية، وتم إنشاء عدد من المصانع التي تشغل أبناء وبنات المجتمعات المحلية، وثمة بوادر ايجابية للتوسع أكثر.
ومن المجدي أيضاً دراسة تقسيم المملكة إلى أقاليم تنموية، فهذه الفكرة تساعد على استغلال ميزات المناطق في حزمة واحدة، كأن يكون الجنوب، مثلا، منطقة متكاملة للصناعة وتجارة الترانزيت.
المطلوب نموذج متكامل يقوم على الأسس التنافسية والإنتاجية، والنجاح هنا مرهون بالمجتمعات بدرجة كبيرة، وبتخطيط الحكومة بدرجة أقل.
العمل الميداني للحكومة يقوم على إنشاء مناطق صناعية في مختلف المحافظات وبناء البنية التحتية، وبعد ذلك يبقى الدور الحقيقي على الناس للخروج من الدائرة التقليدية والتفكير خارج الصندوق.

اضافة اعلان

 

jumanaghunaimat@