التهكم على الشخصيات العامة.. هل أصبح "ترند" لدى الأردنيين؟

التهكم على الشخصيات العامة.. هل أصبح "ترند" لدى الأردنيين؟
التهكم على الشخصيات العامة.. هل أصبح "ترند" لدى الأردنيين؟
مجد جابر عمان- ما أن يصدر تصريح من جهة رسمية أو شخص مسؤول يتحدث عن قرار حكومي، حتى يتحول الأمر لمسرحية تمتلئ بجمل ساخرة، وإطلاق للنكات و"التهكم" والتطرق لجوانب شخصية والانتقاص من الشخص أو القرار المتخذ. و"الأكثر شهرة" بهذه الحالة هو الذي يكون "سباقا" ولديه قدرة أكبر على نشر سخريته لينال أكبر قدر من التعليقات والإعجابات. اجتزاء الكلام، وتركيب الفيديوهات، والعودة إلى كل الهفوات والغلطات السابقة ومحاولة إظهار القرارات بأنها مدعاة للسخرية والضحك وبأنها تنتقص للخبرة والعلم والكفاءة، كلها أمور باتت ملاحظة في الفترة الأخيرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا بعد كل مؤتمر رسمي أو مقابلة مع ممثل جهة مسؤولة، أو بعد اتخاذ أي قرار. وبغض النظر عما إذا كانت القرارات خاطئة أو صحيحة يتفق معها الأفراد أم لا، فإن التعليقات الساخرة أصبحت تأخذ أبعادا كبيرة مع زيادتها، حتى وإن كان ذلك في البداية يأخذ جانبا فكاهيا، إلا أنها تخرج عن المضمون وتصبح "بلا معنى" وتأخذ مناحي كثيرة في غير مكانها، إذ أصبح أي شخص بغض النظر عن مدى درايته بالأمر يجد بالسخرية والتهكم، مساحة واسعة للانتشار. ما يحدث يحيله مختصون، لفجوة كبيرة وأزمة ثقة موجودة بين المواطن والجهات الرسمية، وأن أصل كل ذلك هي بعض الأخطاء بالتصريحات التي أوجدت هذه الحالة من السخرية، إضافة إلى استغلال مساحة الحرية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها بشكل خاطئ وفي غير مكانها. وأظهرت بيانات وردت في تقرير عالمي أصدرته شركة “Hootsuite” عن حالة الإنترنت في العالم وانتشر على منصة "سلايدشير" العالمية، أن عدد حسابات الأردنيين على "فيسبوك" بلغ مع بداية العام الحالي قرابة 5.5 مليون حساب. وذكر التقرير العالمي أن الأردنيين يعتمدون بشكل كبير على تطبيقات التراسل، وخصوصا "فيسبوك مسنجر" التابع أيضا لشركة "فيسبوك" العالمية. اذ بلغ عدد حسابات الأردنيين على هذا التطبيق قرابة 3.5 مليون حساب. وأكثر من 99 % منهم يستخدمون الشبكة عبر أجهزة الهواتف الذكية. وقال التقرير إن هذا العدد من الحسابات يشكل نسبة تصل إلى 74.7 % من إجمالي عدد السكان ممن تبلغ أعمارهم 13 سنة فما فوق. ومن جهة أخرى، ذكر التقرير أن عدد حسابات "فيسبوك" في الأردن شكلت مع بداية العام الحالي حوالي 80.4 % من إجمالي عدد مستخدمي الانترنت في الأردن والمقدر، وفقا للتقرير، بحوالي 6.84 مليون مستخدم. وأشار التقرير إلى أن 58.2 % من أعداد حسابات شبكة "فيسبوك" في الأردن يستخدمها الرجال، فيما تستخدم النساء 41.8 % من إجمالي أعداد الحسابات. ويذهب الاختصاصي الاجتماعي الدكتور محمد جريبيع، الى أن كل هذه التصرفات هي حالة عامة موجودة في أغلب المجتمعات، إذ تعكس الفجوة بين الحكومات والشعب، إلا أنها زادت في الفترات الأخيرة، وظهر ذلك عبر إطلاق النكات والاستهزاء بالكلام المطروح، وأحيانا يتم قص الكلام والاجتزاء منه وتركيبه وإنتاج فيديوهات، وأحيانا أخرى يتم نشر كلام مؤذ نفسيا واجتماعيا. كذلك، هناك نقطة مهمة جدا يمر بها في الأردن، وفق جريبيع، وهي أزمة "الموقع العام" حيث بات أي شخص في موقع ما عرضة للنقد والانتقاد بشكل دائم، ومادة رئيسية على السوشال ميديا ويتم التصيد له بطريقة لا توصف. و"هذا سندفع ثمنه كمجتمع لتسببه بخسارة الكفاءات وخبراتها في الموقع العام لأن أي شخص بخبرته الواسعة سيحاول الابتعاد عن أن يكون مادة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي". إلى ذلك، فإن "غياب الاحترام للموقع العام أمر له آثار سلبية، خصوصا لمن هم جزء من صناعة القرار"، مبينا جريبيع " إننا قد نتفق وقد نختلف مع السياسات العامة لكن تبقى هيبة الدولة واحترامها ومكانتها هو أمر وواجب، وهو جزء من احترامنا لنفسنا". ويشير جريبيع إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي بيئة خصبة للانتقاد، إلا أنه يجب أن يكون هذا الانتقاد في مكانه وليس بالمعنى الجارح والمبني على "التصيد. فما "أصبحنا نشاهده اليوم هو انتقاد مؤذ وفيه تجريح ويمس الشخص نفسه وليس أداءه"، وهذا كله يعبر عن أزمة حقيقية وعميقة جدا يعيشها المجتمع مع الدولة وتعبر عن الفجوة الكبيرة. وفي ذلك يذهب عضو مجلس نقابة الصحفيين الاردنيين والمدرب المتخصص بقضايا حقوق الانسان وخبير مطبوعات ونشر لدى المحاكم، خالد القضاة إلى أن أصل هذه المشكلة "بأخطاء وتصريحات تعزز هذه الحالة، فأصبح هذا الإرث عند الناس بسبب كلمات غير موفقة"، بالتالي فلو كانت بعض الجمل في مكانها سيعود المتابع للتصريحات القديمة، لتكون لديه مادة دسمة للنشر. ويشير القضاة إلى أن ذلك يمكن اعتباره "أحد الفنون الصحافية الساخرة"، لكن شريطة أن يكون الانتقاد في أداء المسؤول وليس في شخصه، بالتالي الربط بين تصريحين من دون التطرق إلى شخصه ودينه وجنسيته ونسبه. غير أن ما يحدث، وفق القضاة، هو أن هذه المساحة من الحرية يساء استخدامها على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح هذا الفن فيه نوع من "الانفلات" في حرية التعبير، مبينا أن الانتقاد على السوشال ميديا يبنى أحيانا على مواقف شخصية من دون أي أساس مهني للانتقاد. ويستغرب القضاة من أشخاص "يبرعون" بـ "الاجتزاء" في حين أن من الواجب والمصداقية الإشارة مثلاً للمقطع والمناسبة ولماذا قيل الكلام وماذا كان السبب. ولفت لافتا إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي سهلت من تلك الحرية والنيل من الشخصية، وأتاحت للجميع القيام بذلك دون أي معايير أو أخلاقيات تحكمهم. ويعد القضاة أن الدستور حفظ حق انتقاد السلطة للمواطنين، لكن شريطة أن يكون الانتقاد يخص الأداء، وأن تكون قساوة التعبير متناسبة مع قساوة الحدث. فكلما كانت حرية التعبير أعلى فإنها تمنع المسؤولين من القيام بأي خطأ وتبقيهم على حذر، مبينا انه عندما تكون الشخصية عامة تفقد الكثير من حريتها.اضافة اعلان