"التيليثون" قد يُساعد..!

ثمة نشاط إعلامي-خيري يُسمى "تيليثون" telethon، وهو برنامج تلفزيوني طويل جداً عادةً ما يُبَثُّ لجمع الأموال لمؤسسة خيرية أو عمل خيري. وقد عشنا تجربة "التيليثون" هنا في الأردن مرة واحدة على ما أذكُر، عندما نظَّم التلفزيون الأردني آنذاك "تيليثوناً" لجمع التبرعات لتجهيز مركز الحسين للسرطان. وكان المتبرعون المقتدرون يتّصلون للتبرع بتجهيز غرفة تُسمى باسمهم إذا بلغ التبرع مبلغاً معيناً، ومستورو الحال ليتبرعوا بشيء رمزي لإظهار التضامن حسب القُدرة. في الأساس، لا ينبغي أن يكون توفير الحاجات الأكثر أساسية للمواطنين مهمة الأفراد. إنها وظيفة الدولة التي ينبغي أن تدير الموارد بطريقة تكفل الحياة الكريمة لمواطنيها وضمان أن يكسبوا خبزَهُم بأيديهم. وعندما لا يستطيع أحدٌ إعالة نفسه، لشيخوخة أو مرض أو بطالة ليس مبعثها الكسل، فإن أدوات الأمان الاجتماعي ينبغي أن تغطي هذه حاجاته. لكن ذلك لا يلغي تماماً أهمية التكافل الاجتماعي والعمل الخيري، حيثُ يساعد المقتدرون في دفع القارب امتنانا لوطنهم ووفاء لمواطنيهم. وحتى في الدول الغنية يبادرُ الأثرياء إلى مساعدة الجمعيات الخيرية بالمال أو العمل التطوعي، ويتبرعون للجامعات التي تخرجوا منها، ويتولون رعاية منح علمية ودراسية –بل وينشئون مؤسسات خيرية في دول فقيرة بعيدة. لكن ذلك يتطلب درجة عالية من الانتماء الوطني والإيمانٍ بالانتماء إلى الإنسانية ومسؤولية الفرد. في تجربة "التيليثون"، رعت محطة تلفزة لبنانية برنامجاً من هذا النوع في أعياد الميلاد ورأس السنة هذا العام. ولا شك في أن الأحوال المعروفة في لبنان الشقيق ساهمت في استنهاض روح التضامن بسبب الأزمة المشتركة بحيث حقق "التيليثون" نجاحا ملحوظا. وهو لم يحلَّ بالتأكيد مشكلة الفقر والبطالة العميقة في البلد، لكنّه حل بالتأكيد أيضا مشكلات شبة مستحيلةٍ لبعض الأفراد وفتح لهم أبواباً كانت في مملكة الأحلام البعيدة. اعتمد البرنامج طريقةَ عرض ريبورتاج حياً على الهواء، حيث يقوم المراسلون في الميدان بزيارة أشخاص شديدي الفقر والحاجة في منازلهم وعرض قصصهم وأحوالهم، بينما يتصل الراغبون في المساعدة هاتفياً بالبرنامج للإبلاغ عن المساهمات التي يريدون تقديمها للحالة المعنية. وفي بعض الحالات، تبرع القادرون لعجوز مريضة وحيدة مع ابنتها من ذوي الحاجات الخاصة بأجرة المنزل لمدة سنتين، وبرسوم مدرسة البنت لعام، وبثمن الأدوية لعام. وتبرع آخرون بأثاث لمنزلٍ عارٍ أو بمدافئ وأغطية ووقود لعائلات لا تجد ما تتدفأ به. وفي حالة أخرى تبرعوا بأجرة منزل مناسب لأسرة ألجأها فقرها إلى بيتٍ لا يصلحُ للسكن البشري. وفي بعض الحالات، تبرع أصحاب أعمال بعمل لأرباب أُسر عاطلين عن العمل. وفي إحدى الحالات جمعوا في ساعتين مبلغ 400 ألف دولار لعلاج طفل مصاب بسرطان الدم ويحتاج عملية لا تُجرى في البلد... وهكذا. كما تبرعت مستشفيات عامة وخاصة وأطباء وأفراد بعلاج مسنين مرضى لا معيل لهم وبلا تأمين. في العادة، يعرف الناسُ أن ثمة من مواطنيهم من لا يجدون ما يقيمون به أودهم أو يعالجون به أنفسهم، لكنهم يتقاعسون عن المساعدة لأنهم لا يرون هذه الحالات مباشرة. وفي الأردن، أظهرت بعض الحالات الإنسانية، لدى كشف الإعلام الغطاء عنها، وجود الإمكانية والرغبة في المساعدة. وفي الحقيقة، نادراً ما عرض الإعلام حالة إنسانية لم يجد صاحب الحاجة فيها مغيثاً، وهو المتوقع من شعبٍ طيِّب. ربما لا يكون من الضروري أن تتفاقم الأزمات إلى حدودها القصوى وتصبح ثورة مثل لبنان حتى تنشط بعض المبادرات الخيرية التي يمكن أن تجلب الغوث لأفرادٍ لا تحتمل أوضاعهم الانتظار. وقد يكون من المناسب -بناء على المؤشرات المشجعة لتجارب "التيليثون"- أن تبادر محطات التلفزة المحلية ذات النسب العالية من المشاهدة إلى تنظيم تيليثونات تخفف معاناة أناسٍ في أمس الحاجةِ إلى العون. وستكون طريقة الريبورتاج المباشر بالكاميرا ومن الموقع وسيلةً للمعرفةِ عن حالات يصعُب تصوُّر أنها موجودة، وتحويل الاستعداد للمساعدة إلى شيء عملي قد يعني الكثير لمواطنين ضاقت عليهم الأحوال واستحكمت حلقاتها حد اليأس. لن ينوب "التيليثون" عن أدوار الدولة وواجباتها ولا ينبغي أن يفعل. لكنّه قد يستنهض روح التضامن التي تخدِّرها الأزمات الفردية وتحوِّل الناس إلى جزر معزولة، ويجلب لبعض اليائسين غوثاً عزيزاً قد يساوي الحياة نفسها.اضافة اعلان