التّفكير بالقَدَمين!

 

قبل فترة وجيزة جاء في الصّحف المحليّة أنّ 40% من طلاب وكالة الغوث الدّوليّة في الأردن هم من المدخّنين، وعلى الرّغم من قسوة الخبر، وما يشير إليه من خطورة تمسّ الشّريحة الأكبر في مجتمعنا وهي شريحة الأطفال -يمكن تعميم الإحصائيّة لتشمل طلاب المدارس الحكومية والخاصّة- إلا أنّنا لم نسمع هناك تعليقاً واحداً يصدر عن أيّ من المسؤولين، وهم بالمناسبة كثيرون، ومتعدّدو المواقع، وكأنّ الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد.

اضافة اعلان

كان من المفتَرَض أن تقوم الدّنيا ولا تقعد جرّاء هذا النّوع من الأخبار المروّعة التي تحمل في ثناياها بذور الكارثة، وتدقّ ناقوس الخطر، ذلك أنّ الأمر يتعدّى هنا نطاق التّدخين لدى هذه الفئة إلى جملة من المشاكل الشائكة التي لا حصر لها في حياة الأطفال كسوء التّغذية والمرض، والتّسرّب من المدرسة، ومظاهر الانحراف وربّما الجريمة في السّلوك العام. كان من المفتَرَض أن تهرع المؤسّسات الرّسميّة والخاصّة، ومراكز الأبحاث المختلفة لدراسة هذه الظّاهرة وغيرها من الظّواهر، ومن ثمّ محاولة وضع تصوّر لحلٍّ ما، لولا مثل هذا التّقاعس واللاأباليّة اللذين يسمان حياتنا.

في مدينة روما أواسط الثّمانينيّات، ورد في الأخبار عن سقوط أحد الأطفال في أحد مجاري الطّرق، وقد حاول رجال الدّفاع المدني حينها إنقاذه فلم يستطيعوا، ومات الطّفل. وعلى إثر تلك الحادثة، فقد شهدت الدّولة الإيطالية سلسلة طويلة من الاستقالات التي لم تقتصر على بلديّة المدينة وإنّما طالت الحكومة بجميع وزرائها! استقالت حكومة كاملة في إيطاليا جرّاء موت طفل، بينما لم يستقل أحد لدينا أمام خبر يقول عن وجود 40% من أبنائنا الصّغار ضمن دائرة الموت.

ترى من المسؤول عن مثل هذه الأوضاع الخطيرة التي يعيشها الأطفال في الأردن؟ من المسؤول عن جيل سائب بكامله -على حلّ شعره- بعد عشر سنوات أو خمس عشرة سنة سيكون هو الجيل الذي سيدير البلد؟؟ من المسؤول عن هذا الجيل المسكين الذي يجري حقنه بمنهاج تلقيني منتهي الصّلاحيّة، وتعيد صياغته الصّور الأخّاذة التي تتصبّب أمامه من شاشة التّلفاز أو شاشة الكمبيوتر؟ أنت لو دخلت إلى أيّ صفّ في أيّ مدرسة في الأردن وسألت الطّلبة من هو غسّان كنفاني؟ فعليك أن تتوقّع في الغالب أنّه لن يجيبك على سؤالك أحد، فغسّان كنفاني بالطّبع لم يكن مغنّياً، وبالتّالي فلا أحد يعتني به أو يقدّمه في برنامج ما على فضائية ما! وغسّان كنفاني لم يكن سوى مجرّد مبدع عظيم وثائر عظيم، والذي حدث فقط أنّ جسده طار إلى السّماء ذات صباح بانفجار مدوٍّ! فما ذنب الطّالب إذا لم يسمع به ويشاهده كما يشاهد كريستينو رولاندو لاعب فريق مانشستر المشهور!

أمّا بالنّسبة لفلسطين فحدّث ولا حرج، فأنت لو سألت أحد التّلاميذ في المرحلة الابتدائية وحتى الإعداديّة عن مدينة الخليل لقال لك ربّما إنّها تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسّط.

أين الخطأ في ذلك كلّه، وعلى عاتق من تقع المسؤوليّة؟ إنّها بالضّرورة لن تطال المدرسة وحدها. والقضيّة أبعد من أن تتعلّق بهذا الطّرف أو ذاك. في الواقع نحن أمام مشكلة بنيويّة يشترك في خيوطها نسيج مجتمعي كامل. الخطأ هنا يشبه نقطة الحبر التي تسقط في إناء الماء وتتمدّد لتطال الماء كلّه. كان من الممكن أن تكون لدينا مراكز أبحاث تشرّح الوضع وتحلله، وتقدّم نتائج مقارباتها بشأن هذا الجيل الذي نسمّيه جيل المستقبل بدل هذه الأندية الرّياضيّة التي تتناسل هنا وهناك، وتعلّم الأطفال كيف يفكّرون بواسطة أقدامهم!.

[email protected]