"الثار ولا العار"

انطبع في أذهان العرب من العصر الجاهلي مفهوم "الثأر"، وحمل شكلا دمويا وتوارثته الأجيال، وبات هذا المفهوم رغم "دمويته" مجالا للطرافة في "الدراما التلفزيونية"، حيث اشتهرت عبارة "الثار ولا العار".اضافة اعلان
اليوم لن يكون عاديا بالنسبة للعرب.. ثمة مباراة تجمع بين "محاربي الصحراء الجزائريين" ومنافسيهم الألمان في الدور الثاني من الألمان، ولم تجد وسائل الإعلام في الجزائر وألمانيا والمعنيون بالأمر، مفرا من التذكير بأن مباراة اليوم تحمل مفهوم "الثأر المزدوج".. الألمان يريدون رد الاعتبار بعد خسارتهم المواجهة السابقة التي حدثت قبل 32 عاما و14 يوما، والجزائريون ما يزالون يستذكرون "المؤامرة الألمانية الغربية- النمساوية" التي أطاحت بهم خارج الدور الأول من مونديال إسبانيا 1982.
الجيل الجزائري الحالي.. فغولي وبراهمي وجابو وسليماني وبو قرة وحليش وغيرهم.. لم يعيشوا تلك الواقعة، لكنهم سمعوا من الآباء والأجداد بها، فتلك الواقعة حرمت الجزائريين من بلوغ دور الستة عشر، رغم أن غلبوا ألمانيا الغربية وتشيلي وخسروا من النمسا، فكان الاتفاق غير المعلن بين "أبناء العم" في ألمانيا والنمسا، وعلى أثره قرر "فيفا" اقامة جميع مباريات الجولة الثالثة في الدور الأول في التوقيت نفسه، ولم تتم معاقبة "المتآمرين" لعدم كفاية الأدلة.
قبل 32 عاما كان مهدي سرباح ومحمود قندوز ونورالدين قريشي وشعبان مرزقان وصالح عصاد وعلي فرقاني ولخضر بلومي ورابح ماجر وجمال زيدان ومصطفى دحلب وفوزي منصوري، يقلبون التوقعات رأسا على عقب، ولم يفق الألمان هارالد شوماخر وهانس بيتر بريغل وبول برايتنر وكارل هاينتس فورستر وفولفغانغ دريملر وبيار ليتبارسكي وهورست هروبيش وكارل هاينتس رومينيغه وفيليكس ماغات واولي شتيليكه ومانفرد كالتس، الا وبلادهم خاسرة بهدفين مقابل هدف.
يقول المدرب الألماني الحالي لوف: "لماذا ينبغي على لاعبين لم يبصروا النور في ذلك التاريخ أن يلعبوا للثأر؟".
كلام جميل وواقعي فعلا.. كرة القدم بـ"روحها الرياضية" تسمو فوق كل ضغينة، وإن كان من حق كلا المنتخبين البحث عن الفوز والانتقال إلى الدور التالي لملاقاة الفائز من لقاء فرنسا ونيجيريا.
المطلوب من المنتخب الجزائري الشقيق، ولكي يواصل التحليق عاليا أن يتمتع بهدوء الأعصاب ويغلب المنطق وينظر إلى الأمور بمنظار واقعي، بعيدا عن حسابات "الثأر" التي قد تبعد المنتخب عن تحقيق هدفه.
كرويا.. ألمانيا هي ألمانيا والجزائر هي الجزائر.. ولكن لا يعني ذلك أن يكون المنتخب الجزائري "لقمة سائغة" تطحنها الماكينة الألمانية بسهولة، بل يمكن لـ"محاربي الصحراء" أن يكرروا التاريخ ويسددوا الحساب اذا ما نجحوا في توفير مقومات الفوز.
التوازن في تأدية الشقين الدفاعي والهجومي سيكون خيارا مثاليا أفضل من الهجوم المفتوح أو الدفاع في نصف الملعب الجزائري، ولعل ما فعله الغانيون أمام الألمان يشكل درسا مفيدا، عندما هاجموا الألمان في نصف ملعبهم، ولم يتركوا لهم المجال لكي يفرضوا كلمتهم في وسط الملعب.
نتمناها سهرة رياضية جزائرية- عربية في ليلة رمضانية كريمة، يكون فيها النصر لـ"الأخضر".

[email protected]