الثقافة والفنون في معركة الوجود!

لا تستطيع الأنظمة العربيّة التي لم تعصف بها الانتفاضات بعد إلا أن تُعنى عنايةً خاصةً وثوريّةً بالثقافة والفنون؛ فهما العدوان اللدودان للتيارات الحديثة التي تصدّرُ الإسلام على أنّه التعصّب وكراهيةُ الآخر والغرق في البشاعة والعنف! وإذ لا يعدو الأمر لديها أن يكون موقفاً شخصيّاً فقيراً من الجمال، واحتفاءً بدائياً بالجهل والقُبح، فإنّ الإسلام، كرؤية عميقة للحياة وللوجود، بريء من هؤلاء المنبتّين، لا أرضاً قطعوا ولا ظهراً أبقَوْا...اضافة اعلان
وكلما أمعن هؤلاء في الأذى وفُحش القول فيما أنتجتْه البشريّة من أفكار ومبادئ وحريات وأنظمة تُدير حياة الإنسان وتُجمّلها، تجدّدت الحاجة وألحّتْ في الذهاب إلى الثقافة والفنون، لإعادة خلق الروح الحرّة في نفوس نشءٍ طال مكوثُه في طين الأيديولوجيات التي تُمجّد القبح، وتنشغل انشغالاً وجودياً في آداب اللحية وإطلاقها، والطفلة ونكاحها، والكنيف بأيّ قدم يدخلونه!
فالموقف لدى حكومات هذه الأنظمة موقف شديد الخطر، يجعل التردّد فيه فرصةً غاليةً لكلّ القوى التي تناهض التحضّرَ البشريّ، وتتوق لشدّ الحياة إلى الوراء، وتعادي الجمال عداءً يُحصّن من أيّ أثرٍ وتأثيرٍ للتعليم والتربية والخطاب العاقل! إذ لا تملك هذه الحكومات، ومنها الأردن، ترف الوقت لترك عقول النشء الفارغة من أيّ مضمون بنّاء ومبدع في مواجهة هجمات تتريّة منظمة، تستهدف احتلالها، والعصف بقواها المعطّلة، لكي تأمن الحداثة والإبداع والمعرفة الخلاقة! فعلى نحو ما، تُكرّس هذه التيارات وقتها ومالها وإعلامها ومنابرها لتشتم طوال الوقت، ولتَعنُفَ بعضه، وكلما أتيح، ضدّ الحضارة وبنيانها، والثقافة ومعانيها، والفنون وأشكالها... وعلى نحو من الأنحاء، صارت الطريق إلى الابتذال والتحطيم والإساءة إلى أفكار الحريّة والديمقراطيّة سالكة، وبأدوات مُستَلّة من الحريّة والديمقراطيّةِ، ومناهضة لهما في آنٍ!
وسيكون من المفرح حقاً أن تنتبه، ولو متأخرةً، حكومتنا إلى أهمية الشّأن الثقافيّ في معركة الحياة أو الموت التي نخوضها الآن مع تلك القوى التي تتوق إلى الاستيلاء على السلطة، ومَحْق وجودنا الذي هو تسلسل طبيعيّ للتطوّر الإنسانيّ في توقه إلى العدل والحقّ والجمال!
دعونا لا نفقد الآمال!

[email protected]