الثقة بوسائل الإعلام: تحولات وتناقضات

سلسلة من الدراسات العالمية المهمة التي تتوالى وتؤكد تنامي التناقضات في أزمة الثقة بوسائل الإعلام، صحيح تراجعت الثقة بوسائل الإعلام بشكل عام في آخر عقدين، ومع ازدياد الاعتماد على المنصات الرقمية والشبكات الاجتماعية تبدو الازمة مملوءة بالمتناقضات وبالاحتمالات السارة وغير السارة، أشارك القراء بالاطلاع على نتائج دراستين صدرتا خلال الاسابيع الماضية فيهما نتائج صادمة في جانب ونتائج غير متوقعة في جوانب متعددة، هل تتصوروا أن الأوروبيين ما يزالون اكثر ثقة بأخبار الاذاعة من اي وسيلة إعلامية اخرى وان المحتوى الصوتي هو الاكثر نموا في العالم. اضافة اعلان
الدراسة الاولى، الصادرة عن معهد رويتر – جامعة اكسفورد اجريت على 38 دولة، وجمهور يتجاوز 75 الف شخص ذهبت الى ان اعتماد الجمهور في تلقي الاخبار على وسائل التواصل الاجتماعي السائدة ( فيسبوك وتويتر ) لا تنمو بل تتراجع فيما ان النمو الكبير يصاحب الشبكات الاجتماعية الخاصة وعلى رأسها واتساب وانستجرام والفايبر ما يقود ان الاخبار والشؤون العامة معرضة للاسف للمزيد من الفبركة والتزييف والانتقال الى المساحة الخاصة والجماعات الضيقة، ومن النتائج اللافتة والجديدة في هذه الدراسة الزيادة اللافتة لاستهلاك الجمهور للمحتوى الصوتي وتحديدا الشباب اقل من 35 سنة، ما يعني ثمة مستقبل لصناعة المحتوى الصوتي من خلال الاذاعات ومن خلال التدوين الاذاعي ( البودكاست ) والمنصات الصوتية الرقمية، حيث ذهبت الدراسة الى أنّ (الكثير من الاستخدام لهذا المحتوى الصوتي يحدث في المنزل، بنسبة تصل 64 %، ومن ثم في وسائل النقل العامّة بنسبة 24 %، أو في وسائل النقل الخاصّة بنسبة 20 %، ويحدث هذا بنسبة 18 % في أثناء الخروج للتمشّي أو التسوق، وبنسبة 16 % أثناء ممارسة التمارين الرياضيّة، و16 % خلال العمل) كما باتت التنبيهات الخاصة بالهواتف الذكية اكثر نموا حيث يميل المستخدمون الأصغر سنا للاعتماد عليها كمصدر في إطلاعهم على الأخبار، حيث ارتفعت نسبة استخدام هذه التقنية كمصدر للأخبار من 4 % إلى 20 % في بريطانيا منذ العام 2014، ومن 6 % إلى 19 % في الولايات المتحدة في نفس الفترة.
معدل الثقة في الأخبار بشكل عام انخفض بنسبة 2 % ليصبح 42 %، هناك 33 % من العينة فقط تثق بالمحتوى الإخباري الذي يصلون له بعد بحثهم عنه في محركات البحث، و 23 % يثقون بالمحتوى الإخباري الذي يظهر لهم في مواقع التواصل الاجتماعي. التحول الآخر المهم تزايد في ثقة الناس بالمنصات الإخبارية ذات السمعة المهنية، حيث أن 26 % من العينة قالوا إنهم بدؤوا يعتمدون أكثر على المنصات الإعلامية الكبرى الشهيرة المعروفة بمهنيتها وبدؤوا يغادورن المواقع الاخبارية الرقمية.
الدراسة الثانية، مؤشر الثقة الإعلامي الاوروبي لعام 2019 الذي يصدره اتحاد البث الاوروبي، فقد ذهبت النتائج هذا العام ان الاذاعة هي الاعلى ثقة بين الاوروبين في الثقة بها كمصدر للاخبار وبنسبة 59 % وهي الاعلى في 85 % من دول الاتحاد، وأعلى ثقة بأخبار الاذاعة في السويد والدنمارك واقلها في اليونان وصربيا، ثم تأتي اخبار التلفزيون بنسبة نحو 50 % ونحو 75 % في دول الاتحاد، واعلى هذه الدول ثقة في اخبار التلفزيون الدنمارك والسويد، واقلها ثقة اليونان واسبانيا وفرنسا وفي الاخيرة يفسر تراجع الثقة باخبار التلفزيون نتيجة موقف التغطية الاخبارية التلفزيونية من احتجاجات ذوي السترات الصفراء العام الماضي، اما الصحافة المطبوعة فقد تراجعت الى 47 % من السكان، ووصلت الثقة باخبار منصات الانترنت الى 32 % اما الثقة بالاخبار القادمة من شبكات التواصل الاجتماعي وصلت الى 19 % واعلى ثقة بهذه الشبكات في البانيا وهنغاريا واقل ثقة لدى كل من السويديين والفرنسيين.
ان متابعة سلسلة من الدراسات في السنوات الاخيرة تثبت ان عالم الإعلام سوف يتجاوز حالة الفوضى وان الرهان الحقيقي على المهنية وتاريخ الصدق والقدرة على توظيف التكنولوجيا.