الثمن الباهظ لسياسة الرفض

نحمايا شترسلر -هارتس
على مدى سنوات طويلة درجت على الكتابة ضد قانون تشجيع الاستثمارات المالية. ادعيت بأنه يحسن للأغنياء ويرفع الضريبة على كل من تبقى. قلت إنه يشوه النشاط الاقتصادي ويمس بالتشغيل وبالنمو، وقدمت الكثير من الانتقادات.اضافة اعلان
لكن في تشرين الأول (اكتوبر) 1995 وشاركت في مؤتمر اقتصادي إقليمي عقد بعد سنتين من اتفاق أوسلو وشكل ذروة النشوة في العلاقات بين اسرائيل والدول العربية. وكان شمعون بيرس واسحق رابين نجمي المؤتمر، ومستقبل الشرق الاوسط في عصر السلام، وبدا الأمر الأكثر وعدا في العالم.
في أثناء المؤتمر توجه إليّ وزير الاقتصاد الفلسطيني وقال: "لن نتمكن أبدا من الانتصار عليكم، بسبب تنميتكم الاقتصادية التي تفوقنا بعشر درجات، وإذا لم يكن هذا بكافٍ فقد حصلتم الآن على إنتل، فهل تعلم كيف كان يمكن لشركة كهذه أن ترفعنا لو أنها كانت تبني مصنعا في رام الله وليس في كريات غات؟".
في تلك اللحظة بدأت أفكر، لعل كل المقالات التي كتبتها ضد قانون تشجيع الاستثمارات المالية ليست دقيقة؟ فلعله توجد زاوية أخرى للموضوع؟
من تابع هذا الأسبوع العناوين الرئيسة في الصحف الاقتصادية، لا بد أنه انتبه الى المنافسة الشديدة: من سيشهر اكثر بالشركات الدولية: تيفع، إنتل، يشكار وتشيك بوينت. وبشرت العناوين عن عصبة من الخداعين الذين يدفعون ضريبة شركات سخيفة بآحاد قليلة في المائة، وهكذا يسلبون الخبز والحليب من أفواه الرضع. وزعم في المقالات أنه بينما ضريبة الشركات العادية تبلغ 25 %، تدفع تلك الشركات 5 % فقط، وهذا يكلف الاقتصاد 5.6 مليار شيكل في السنة في خسائر الضريبة. لهذا يجب أن يجبى منها 25 % أيضا، مثل الجميع - فيأتي الخلاص لصهيون.
هذا يبدو عادلا واقتصاديا على حد سواء. ولكن من يضمن أننا عندما نرفع الضريبة على إنتل الى 25 % ستبقى في اسرائيل؟ فهاكم الدليل: المصنع الأكثر تقدما لها تقيمه حقا الآن في ايرلندا.
ستقولون: ماذا يهمني إنتل، فلا داعي لمعروفها. ولكن عند فحص هذا الاستثمار الاستراتيجي الكبير مثل الذي توفره إنتل، تيفع، يشكار وتشيك بوينت يجب الأخذ بالحسبان ليس فقط الضريبة المباشرة التي تدفعها الشركة بل وأيضا التأثيرات الإيجابية على الاقتصاد. فمثل هذه الشركات تجلب معها مقاييس متطورة من التكنولوجيا وأساليب الإدارة، ترفع مستوى الشركات المحلية التي تعمل معها وتوفر رزقا ليس فقط لآلاف العاملين بل أيضا لآلاف المقاولين والموردين الفرعيين. مهندسون وباحثون خرجوا منها أقاموا شركات جديدة تستند الى المعرفة التي اكتسبوها هناك. إنتل مثلا، رفعت مستوى التعليم العلمي في كريات غات وعدد الحاصلين على شهادة البجروت - الثانوية وحسنت حتى الصورة الذاتية لسكان المدينة، التي لم تعد مدينة مصانع نسيج، غذاء، خشب وحديد بل مدينة تكنولوجيا عليا وتقدم.
ومع ذلك، فإن القانون الحالي يبالغ في الامتيازات التي يوزعها. ضريبة بمعدل 5 % للشركات الدولية، وضريبة 6 - 12 % للشركات التي تصدر 25 % فقط من دوراتها المالية، هي قليلة جدا ويجب رفعها. ولكن بحذر وبرقة، وانطلاقا من الفهم بأن العالم مفتوح وتنافسي.
على اسرائيل أن تكون حذرة بشكل خاص، عقب وضعها الأمني - السياسي، عدم اليقين والتهديد المستمر بالحرب، مما يرفع جدا مستوى الخطورة فيها. لا يوجد الكثير من الدول التي تتطاير عليها في يوم ما صواريخ الكاتيوشا، وفي يوم آخر تخرج الى القتال، وكل الوقت تكون عرضة للتهديدات. فهذا بالتأكيد لا يجتذب الاستثمارات الأجنبية.
بمعنى، أنه لسياسة الرفض التي تنتهجها حكومة اسرائيل وعدم رغبتها في الدخول في المفاوضات يوجد ثمن اقتصادي باهظ. فهي تجبرنا على "رشوة" الشركات الدولية بامتيازات ضريبية بعيدة المدى، حتى هي لا تكفي أحيانا. انظروا إنتل، التي فضلت إيرلندا.