الثورة الصناعية الرابعة.. أخطأتنا أيضا!

للمرة الرابعة يغيب العرب، كدول، عن المساهمة في الثورة الجديدة التي يتم التأسيس لها عالميا، والتي بدأت بواكيرها بالظهور، مقترحة نقل البشرية إلى مستوى آخر من التقدم والمعرفة وتجاوز التحديات التي اختبرناها خلال الألفيات الماضية جميعها.اضافة اعلان
ففي الوقت الذي ما يزال العالم العربي غارقا بجدل الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والمرأة والدولة المدنية، وتدني مستويات التعليم والصحة والرفاه وعبادة الأصنام الحية، يؤسس العالم المتقدم لمنظومة متكاملة من العقول الآلية والابتكارات التي ستحمل البشرية نحو التغلب على كثير من الإشكاليات المعرفية، غير أنها أيضا، ستسهم بفاعلية كبيرة في قتل كثير من المهن التي لن تصمد أمام التدفق المعرفي الذي سيتجلى على شكل اختراعات وابتكارات جديدة تحل فيها الآلة مكان اليد البشرية.
تتأسس هذه الثورة الجديدة التي ستغير العالم كله، على التكنولوجيا والصناعات الحديثة، وهي تمتلك قائمة طويلة بالمهن التي ستنتهي، وقائمة أخرى من المهن المطلوبة في المستقبل، لكن المهم فيها أنها لا تتحيز في جغرافيا بعينها، بل تشمل قارات العالم كله.
اليوم تسهم أوروبا وأميركا في انتقال البشرية إلى مستوى جديد من التطور، غير أن بلدانا أخرى مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية والبرازيل والهند وغيرها، تشارك أيضا، وبفعالية، في هذه الثورة القائمة على صناعة البرمجيات وتطويرها، بعد أن أسست لبنية تحتية استوعبت الطفرات التكنولوجية خلال العقدين الماضيين.
لكن، في العالم العربي ما يزال المختبر رجسا من عمل الشيطان، فأرقام موازنات البحث العلمي نسبة إلى الناتج الإجمالي تكاد تكون مضحكة، ما يؤشر على مدى الجدية التي يتعامل بها العرب مع العلم والبحث والتكنولوجيا.
وإذا سلّمنا بأن هناك دولا لا تمتلك رفاهية رصد أموال للبحث العلمي، فإننا سننظر إلى الجهة الأخرى؛ الدول التي تمتلك الإمكانيات، لنراها غارقة في نمطية تفكير تقتل الإبداع، أو أنها تقصر عملها على استيراد تجليات الابتكارات التكنولوجية من غير أن تؤسس لتوطينها من خلال بنية؛ تحتية وفوقية.
في العالم العربي، ورغم أننا من أكبر الاسواق المستهلكة لتكنولوجيا الهاتف الخلوي، إلا أننا وحتى اليوم، ورغم مرور عقود على اختراع الجهاز الخلوي الأول، لم نسهم في هذا المجال بمنتج واحد، واكتفينا من التكنولوجيا بالاستهلاك الذي تبدى بشكل مَرَضيّ، وبنوازع استشرت وأشّرت بوضوح على أن تعاملنا مع التكنولوجيا لن يتعدى خانة الاستعراض، كما أشّرت على أن المختبرين الأذكياء لا بد لهم من أسواق كبيرة ومستهلكين أغبياء أحيانا.
لكن المشكلة في الثورة الجديدة هي أنها ليست كلها ذات طبيعة استهلاكية، فهناك مهن ستموت، وأخرى ستولد، ما يفرض سياقات الحياة الذكية على مجتمعات بأكملها، بينما تبقى مجتمعات أخرى غارقة في الغباء واجترار التاريخ ومقولات العظمة التي كانتها في الماضي!