الثورة الصناعية الرابعة ومستقبل العمل

صاحب مصطلح الثورة الصناعية الرابعة هو كلاوس شواب الرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي والذي أطلقه في مقال نشره في مجلة الشؤون الدولية العام 2015 ثم أصبح ذلك عنوان المؤتمر العالمي العام 2016 أشار كلاوس في هذا المقال للتحولات التكنولوجية العميقة والواسعة والمتسارعة عالميًا والتي تستحق أن تسمى بالثورة الصناعية الرابعة. الثورة الصناعية الرابعة ترتكز على مجموعة من التطورات العلمية والتكنولوجية المتداخلة التي تقوم على عالم الديجتال والبيولوجيا والعالم الطبيعي مع الاستخدام المتنامي للذكاء الاصطناعي وتكنولوجية النانو والروبوتات والطباعة الثلاثية الأبعاد وانترنت الأشياء. هذه التحولات تؤذن ببزوغ فجر جديد للبشرية مليء بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية غير معروفة النتائج على المستوى العالمي والمستويات الوطنية وتبرز تحديًا كبيرًا للدول المتقدمة والنامية على حد سواء، من أبرز التحولات التي أصبحت ملموسة هو تأثير هذه الثورة على سوق العمل من حيث البنية وحجم المهن والوظائف مقارنة أولًا بعدد السكان والداخلين الجدد لسوق العمل وثانيًا من حيث المهارات الجديدة المطلوبة للتكنولوجيا الحديثة. كغيرها من الثورات الصناعية فهي سوف تولد مهنا ووظائف جديدة ولكن في الوقت نفسه سوف تؤدي إلى انقراض عدد كبير من المهن والوظائف التي تستند على الثورة الصناعية وسابقتها حسب الدولة. المؤكد حتى الآن هو أن عدد المهن المستحدثة أقل بكثير من عدد المهن المنقرضة حيث إن ملايين المهن تنقرض كل عام ليس في الدول المتقدمة فقط وإنما في الدول الأقل تقدمًا أيضًا. الثورة الصناعية الرابعة تشكل تحديًا لكافة الدول ولكن التحدي أكبر لدول العالم الثالث والأردن ليس استثناءً. سوق العمل بالأردن يعاني من عدة مشاكل أبرزها ارتفاع معدلات البطالة بشكل عام ولحملة الشهادات الجامعية والشباب بشكل خاص. كذلك ضعف القطاع الصناعي وتدني المستوى التقني للعمالة في الأردن أصبح واقعا نتعايش معه. حتى الآن فإن التفكير في الثورة الصناعية الرابعة وانعكاساتها على سوق العمل الأردني لم يصل إلى مرحلة جدية حيث تتم الإشارة إليها أحيانًا في تصريح هنا أو هناك ولكن التفكير الجمعي السياساتي حول هذا الموضوع ما يزال غائبًا ولا يرقى لمستوى التحدي الذي تمثله الثورة الصناعية الرابعة وما تزال السياسات ذات العلاقة بهذا الموضوع غير موجودة. الوقت ليس متأخرًا ولكن ليس لدينا الكثير منه ويجب القول إن تحدي الثورة الصناعية الرابعة يُبرز فرصًا أيضًا. لتفادي السلبيات الكبيرة لهذه الثورة والاستفادة من الفرص التي توفرها لا بد من الشروع بالتفكير لبلورة رؤية مستقبلية مبنية على دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن يترتب على هذه التحولات وصولًا لتطوير استراتيجية واضحة تصبح برنامجًا بكافة المؤسسات المعنية بهذا المجال والتي أهمها القطاع الصناعي والتكنولوجي وقطاع التعليم بغض النظر عن وجود برنامج هنا أو هناك وما يزال النظام التعليم بشقية المدرسي والجامعي أقرب إلى النظم التقليدية السائدة في القرن العشرين وما تزال الجامعات الأردنية تركز على تخصصات سوف يصبح الكثير منها غير موجود في أسواق عمل المستقبل على فرض أنها مناسبة الآن لسوق العمل وهذا ليس الواقع. تكتظ الجامعات اليوم بأعداد كبيرة من الطلبة جزء كبير منها يدخل ضمن التخصصات الراكدة ولحل الأزمة المالية للجامعات تلجأ لزيادة أعداد الطلبة المقبولين في كافة التخصصات دون التفكير في تبعات هذه السياسة على نوعية ومستوى التعليم أولًا وعلى مدى ملاءمة هذه التخصصات لسوق العمل الحالي والمستقبلي ثانيًا. العالم يتغير من حولنا بسرعة وهناك مساران لا ثالث لهما فإما أن تقبل التحدي وننتهز الفرص المتاحة أو نبقى نلهث وراء العالم المتقدم. الأردن مؤهل ويستطيع أن يستفيد من هذه التحولات ولكن ذلك يتطلب ثورة بيضاء في النظام التعليمي المدرسي والجامعي والسياسات الاقتصادية من خلال رؤية مستقبلية واضحة ودون ذلك، فسوف يفوتنا القطار لا سمح الله.اضافة اعلان