الثورة العقارية والانصهار الوطني

يمكن دراسة "الثورة العقارية" باعتبارها أداة تنموية تسهم في رفع سوية الناس المستفيدين منها وصولا إلى انصهار وطني على قاعدة مجتمع الرفاه، الذي تربطه قيم جامعة ومصالح مشتركة.

اضافة اعلان

وثورة كهذه لا تكلف خزينة الدولة، وإنما تموَل من جيوب الأثرياء. وهم لا يحضرون أموالهم إلى المنطقة، وإنما يحضرون بذواتهم، بكل ما فيها من قيم وثقافة وخبرات تتلاقح مع البيئات الجديدة التي يقطنونها.

اختبرت هذه الفرضية، في إحدى مناطق عمان التي انقلبت بين عشية وضحاها من مجتمع قروي فلاحي إلى حي للأثرياء. الوافدون الجدد، لا يوجد ما يربطهم بالسكان الأصليين؛ فلا مجال عاما في المكان، لا حدائق عامة، لا مكتبات لا أندية لا مقاهي، والمؤكد لا أحزاب سياسية.

كان ثمة أطفال في الشارع، بعضهم يحمل شيكا صدئا على دراجة هوائية، جعلوا منها عربة للحمل الثقيل. توقف بك أب وتبادلوا التحية معه ومضى، لا بد أن أحدهم حلق في عالم الأماني، وتخيل أنه سيمتلك يوما سيارة بك أب ويعمل سائقا عليها. ويحمَل الشيك الصدئ بلا معاناة.

هذا في حدود أمانة عمان؛ أما خارجها، فالوضع أصعب، فمن المعتاد أن لا يصل أي من أفراد العائلة إلى مرحلة الثانوية العامة. شهدت البلاد ثورة عقارية نقلت أفرادا بين عشية وضحاها من فقر إلى ثراء، لكن هذا الثراء لم يتحول إلى تنمية حقيقية تؤهل الجيل الجديد من تجاوز آبائه.

إن كانت الدولة عاجزة عن تحقيق تنمية وتوزيع مواردها بشكل عادل، على الأقل عليها أن تشعر بمسؤولية تجاه من أثروا فيستثمرون في ثرائهم. بدلا من القصص المملة عن طرق كتابة "السي في" والبحث عن وظيفة من خلال الإنترنت، يمكن أن تقترح عليهم مشاريع يمكن أن تدر دخلا. ومن الممكن أيضا اقتراح أسماء مدارس خاصة يمكن أن تدرِّس أبناءهم تدريسا نوعيا يطور من شخصياتهم ويمكنهم من إدارة ثروتهم مستقبلا بشكل ناجح.

تشبه الثورة العقارية عندنا الطفرة النفطية في الخليج القرن الماضي؛ فالغنى الذي تحقق مكن الأفراد من التمتع إلى الحد الأقصى من دون بذل الحد الأدنى من الجهد في التحصيل العلمي والعمل. ولو أديرت الفوائض المالية في القرن الماضي بشكل صحيح لأمكن إحداث تنمية لا تقتصر آثارها على الخليج وحده وإنما تعم المنطقة.

الدول الناجحة هي التي تحقق انصهارا واسعا بين أفرادها وتقلل من الفوارق بينهم اقتصاديا وثقافيا، في العقار أعيد توزيع الدخل بشكل أكثر عدالة، وتدفقت أموال طائلة على مناطق عجزت الدولة عن رفع مستواها الاقتصادي. السؤال الكبير هل من مصلحة الأثرياء الوافدين المحافظة على المسافة بينهم وبين المالكين الأصليين أم تقليصها وإلغاؤها وصولا إلى الاندماج، فنشاهد أطفالهم يلعبون في حديقة عامة معا، أو يقرؤون في مكتبة عامة، ويتبادلون التحية مع سائق البيك أب الذي كان يمتلك قطعة الأرض التي بنيت عليها الفيلا.

[email protected]