الجامعات والأزمة المفتوحة

 من المعروف علميا وتاريخيا أن الإصلاح يولد أزمات، ولكن المشكلة المعقدة حينما نبقى ندور في حلقة مفرغة من الأزمات تدار باسم الإصلاح وبدون نتائج تذكر، بينما تتراكم الأزمات وتضرب عميقا في بنية المؤسسات ووظائفها ومخرجاتها، ولعل هذا الوصف أكثر ما ينطبق على حال الجامعات الأردنية حيث ضجيج ما بعده ضجيج حول الإصلاح والتطوير وخطط واستراتيجيات تتكرر منذ أكثر من عقد بدون نتائج حقيقية تذكر، مقابل  المزيد من الأزمات والسحب من رصيد المؤسسة التعليمية الأردنية وسمعتها.اضافة اعلان
ذهبت الأزمة التي فجرها رئيس مجلس أمناء الجامعة الأردنية باستقالته من موقعه قبل أسبوعين بدون متابعة جادة حتى إعلاميا، وهي تكرر أحجية مجالس الأمناء التي شكلت قبل أكثر من عامين من شخصيات سياسية لا علاقة لها بالتعليم العالي ولا بالجامعات، ثم عادت الحكومة لتشكيل هذه المجالس من شخصيات أكاديمية خبيرة  بينما نزعت منها الصلاحيات والدسم، أي عادت مجالس كرتونية وشكلية لا أكثر وهو ما يبرهن عليه النقاش حول خطة إصلاح الجامعات الأخيرة  التي أعدت وأقرت بدون أن تعلم بها تلك المجالس.
المسألة تتجاوز التجاذبات الراهنة من رغبة في الاستحواذ وممارسة الوصاية بين النخبة الرسمية التي تدير ملف التعليم العالي من جهة ورؤساء الجامعات ومجالس الأمناء من جهة أخرى، أو التهميش والانشغال في توليد الأزمات، المسألة باختصار وبوضوح هل نريد جامعات مستقلة بالفعل وبالمعنى الحقيقي لمفهوم الاستقلالية، أم نريدها دوائر حكومية تتبع لإحدى المديريات في الوزارة ونفتح الخطوط عليها لمن هب ودب للتدخل في سياساتها وبرامجها وشؤونها.
حينما نتحدث عن استقلالية الجامعات وحاجتها إلى الاستقرار، لا نتحدث عن لغز أو أحجية، بل ثمة مبادئ واضحة ومعايير دقيقة تكفل للجامعة أن تمارس وظائفها في بيئة مستقرة وفق تشريعات ومعايير واضحة، فلقد حان الوقت أن نتحدث عن حوكمة الجامعات وترسيخ مبادئ الرشد في كافة تفاصيل ومستويات إدارتها. المسكوت عنه في الجامعات الحكومية والذي حان الوقت للحديث عنه بجرأة وجدية، يتمثل في غياب الحوكمة والرشد في معظم العمليات الأكاديمية والإدارية نتيجة الضعف وغياب الكفاءة والتدخلات الخارجية، الأمر الذي يتمثل اليوم في شكل آخر من الفساد والإفساد الذي يعد أخطر عشرات المرات من الرشاوى وسرقة المال العام ومن قضايا التسهيلات المالية، فهذا النوع من الفساد والإفساد ينال مستقبل أجيال بأكملها ويدفع ثمنه من نوعية حياة كل أردني.   من يقول لا يوجد تسييس للجامعات والتعليم بشكل عام في الاردن؟ بل توجد جرعات عالية من التسييس في الجامعات، والصراع الحقيقي هو حول مضمون هذا التسييس، فيما يتم ذلك على حساب الرشد والحاكمية والمساءلة والشفافية، فالحوكمة والرشد تعنيان الطريقة التي تدار بها الجامعة وتوجه من خلالها أنشطة كلياتها ومراكزها ومعاهدها؛ هل تتم من داخل المؤسسة الأكاديمية وفق معايير صارمة تأخذ في اعتبارها أولا واخيرا الكفاءة والفاعلية وهي الطريقة التي يقييم فيها الأداء وتتم من خلالها المراجعات.
  على مدى عشر سنوات مضت برزت محاولات مسروقة من مجالات أكاديمية أخرى للمراجعة والتقييم داخل الجامعات الأردنية، معظمها للأسف باءت بالفشل الذريع، بل إن بعضها يعد فضيحة بالمعنى الحقيقي، ولنأخذ على سبيل المثال مراكز تطوير أداء أعضاء الهيئات التدريسية، مراكز ووحدات الجودة؛ وكلها كيانات أنشئت بهدف المراجعة والتطوير وأصبحت، في معظمها، جزءا من عدة وعتاد الخراب والتخريب.اليوم تكفل التعديلات الدستورية المقترحة إضافة نوعية في المادة (15) تنص لأول مرة على أن الحريات الاكاديمية مبدأ دستوري. وهو ما يشكل فرصة للمجتمع الأكاديمي لانتزاع استقلالية جامعاتهم، لأن هذه الاستقلالية أحد الاسس المتينة لبناء إصلاح وطني حقيقي، وإلا ستبقى الجامعات أزمة مفتوحة الى ما شاء الله.

[email protected]