الجدل حول حق المعلمين في الإضراب

قوبل إضراب المعلمين بالغضب والاستنكار من جانب الأهالي في بعض المناطق. ووجهت اتهامات للمعلمين بأنهم يقدمون مصالحهم الخاصة على مصالح الطلبة. وفي بعض الأحيان، تعرض معلمون مضربون للاعتداء من قبل ذوي طلبة يخشون على مستقبل أبنائهم جراء تعطيل العملية التعليمية.اضافة اعلان
وساندت وسائل إعلام وكتاب وساسة الأهالي في مسعاهم لثني المعلمين عن الاستمرار في الإضراب.
لا أحد ينكر الآثار السلبية للإضرابات على الخدمات والمرافق العامة. وفي حالة إضراب المعلمين، فإن الأضرار المترتبة على تعطيل العملية التدريسية لأكثر من أسبوعين، تتجاوز الحسابات المادية؛ ولهذا لا يمكننا أن نلوم الأهالي على موقفهم.
تجربة الأردنيين حديثة العهد مع إضرابات تشل مرافق عامة وتعطل خدمات أساسية؛ فقد اقتصرت أشكال الاحتجاج في السابق على قطاعات غير حيوية، لا تمس حياة الناس مباشرة، والتزم المحتجون بأسلوب الاعتصام لساعات، أو إضراب لا يزيد على يوم واحد. المرة الأولى التي واجهنا فيها إضرابا واسع النطاق وفي قطاع أساسي، كانت إضراب الأطباء العام الماضي، الذي أثر ولفترة محدودة على مستوى الخدمات العلاجية. لكن المعلمين كان لهم قصب السبق، وكلنا يذكر احتجاجاتهم المتكررة قبل عامين للمطالبة بإقالة وزير التربية وتأسيس نقابة للمعلمين.
حان الوقت لكي ندرك أن الإضرابات وسيلة مشروعة لانتزاع الحقوق في الدول الديمقراطية، وفي أحيان كثيرة كانت هي الطريقة الوحيدة لتحصيل حقوق العاملين والموظفين.
وفي الدول الديمقراطية المتقدمة، أصبحت الإضرابات تقليدا راسخا في تلك المجتمعات؛ ففي الصراع المستمر مع أرباب العمل على الحقوق والامتيازات، ليس للعاملين من وسيلة سوى اللجوء إلى التوقف عن العمل لإجبار أصحاب الشركات والمصانع على تلبية مطالب العاملين.
والأمر لا يقتصر على القطاع الخاص؛ فمع التطور الحاصل في أساليب الحكم، صار لموظفي القطاع العام نقابات واتحادات تدافع عن مصالح العاملين. وفي سبيل تحصيل حقوقهم، لا يتردد هؤلاء عن تعطيل العمل في قطاعات حيوية، مثل الطيران والطاقة والتعليم والصحة. وفي بلد مثل فرنسا، لم يعد مستغربا وجود نقابة للعاملين في الشرطة، تنظم الإضرابات لتحسن مستوى معيشة منتسبيها.
وقبل سنة تقريبا، أصيبت فرنسا بالشلل بعد إضراب قطاع النقل الذي استمر لعدة أسابيع، وكبد الاقتصاد الفرنسي خسائر فادحة. وبعد مفاوضات عسيرة كادت تطيح بحكومة الرئيس ساركوزي، توصل الطرفان إلى اتفاق عاد العمال بعده إلى العمل. وفي دولة كإيطاليا، لا يمر يوم دون أن يكون هناك إضراب في أحد القطاعات.
في الأردن، كما في معظم البلدان العربية، تعاني قطاعات عريضة من ظلم تاريخي مزمن. وعندما لاحت فرصة التغيير، لم تتردد هذه الفئات في المجاهرة بحقوقها بكل الوسائل المشروعة.
ومع مرور الوقت، وتطور الحالة الديمقراطية، سينتظم المزيد من الناس في أطر نقابية باعتبارها الأداة المشروعة للدفاع عن مصالحهم وانتزاع حقوقهم، كما حصل تماما في الديمقراطيات العالمية.
علينا أن نتكيف منذ الآن مع هذه المتغيرات، وأن نستعد لمرحلة لم يعد فيها وجود لأغلبية صامتة.
الجدل حول حق الناس في الإضراب توقف في العالم المتقدم قبل قرن تقريبا.

[email protected]