الجزء السادس من "باب الحارة"!

ماتَ "الإدعشري" مبكراً في نهايةِ الجزءِ الأولِ، بعدما قهرَهُ تأنيبُ الضمير، و"الزعيم" وُجِدَ مقتولاً في الحلقات الأولى من الجزء الثاني، كما يحدثُ للزعماء المجرَّدينَ من علامات ادعاء النبوة، وغاب "أبو عصام" عن الجزء الثالث تماما، في ظروف غامضة (يُرجَّحُ أنَّها خلافات مع المخرج!)، و"أبو شهاب" لم يَعُدْ إلى الجزء الرابع كما تستهدفُ القيادات البديلة دائماً. اختفى كلُّ "القبضايات" من "باب الحارة"، ولم يبقَ إلا "الأسد"!  اضافة اعلان
أغلقَ الباب الخشبي على أهل الحارة، لما انتهت الحاجة إلى أدوار الجنودِ الفرنسيين الصامتين، المتمتعينَ بـ"نعومة" لا تلائِمُ النوايا غير الطيِّبَةِ للسلاح، فاحتلَّ "مخفر الدرك"، وأسنَدَ الأدوارَ الرئيسية فيه إلى كائنات أخرى من "الغابات"، وصارَ الحصارُ كالتفاف يديَّ عدو نفسه على عنقه!
أسنَدَ كتابَةَ القصَّةِ إلى رعيلٍ قديمٍ يتقنُ فنَّ الكذب، وأمهرهم في ذلك "المعلم" (الذي لا يُصدَّقُ حتى حين يلفظُ اسمه كاملاً)، وامرأة حسناء المظهر كما يليقُ باسم "بثينة" (تودُّ لو تصدقها لولا الطيبة الزائدة)، وتولى شقيقه (الأسد بالضرورة) مهامَ المخرج المنفِّذ..؛ وإتقانُ السادية اختبارٌ لم يخضع له، فجيناتُ الأب حيَّةٌ، وتصلحُ للامتداد حتى سابع حفيد في "الغابة"!
التصويرُ ممنوعٌ ومجرياتُ العمل تحدثُ في سريَّةٍ تامَّةٍ. بالطبع لا يلتزمُ بها كومبارس أُسنِدَ لهم دور الموت بلا تلكؤ برصاصَةٍ واحدَةٍ بالرأس؛ فحينَ لا يكتبُ لبعضهم الشهادة يتحولونَ إلى مخرجين هواة عبر "يوتيوب"، يحترفون التقاط المشاهدِ التي يستحيلُ تصويرها مرَّتين!
تجري الأحداثُ في كلِّ الحارات التي لها أبوابٌ مغلقة، والمشاهدُ الرئيسية معارك غير متكافئةٍ بين جموع يقتصرُ هتافها على ترتيب الأولويات بـ الله وسورية و"بَسْ"، وجنودٍ أقسموا على عقيدة القتل لكلِّ من يُسقطُ الضلعَ الثالث من الأولويات، فيحدثُ الموتُ في كلِّ الحلقات، ولا يتكلفُ "المنتج الفارسيُّ" شيئا..؛ فالدمُ حقيقيٌّ ويُبطلُ الحاجَةَ إلى "رُبِّ البندورة"!
في متن العمل الميلودراميِّ (الذي اقتصَرَ بثه على "الجزيرة" و"العربية" وقنواتٍ أخرى مكرَّسة لأنباء الدم)، كفَّ الناسُ عن الحياة ولم تعد أصداءُ أحاديث النسوان في بيت "أبو عصام" تثيرُ نميمة الجارات الفضوليات، وغناءُ "أبو غالب" لـ"البليلة" افتقَدَ الفكاهة، وصار لأغراض العيش المنزوع الكرامة، وخرجت الحياة من "باب الحارة"؛ وكلُّ ما افتقدَهُ العربُ كيفيَّةُ إعداد "التبولة" و"الكبة" بأنواعها، والاستغراب من نكَدِ "أبو حاتم" من عدم إنجاب "حاتم"، رغمَ أنَّ له ابنة بجمال "جومانا مراد"!
لا حكايَةَ أخرى في الجزء السادس من "باب الحارة"، سوى أنَّ أهلَها ملَّوا حكمَ الأسودِ، وأنْ يتحوَّلُوا إلى مخبرينَ ومُخْبَر عنهم في بلادٍ تحوَّلَت إلى مخفَرٍ كبير فيه أصنافٌ متعدِّدَةٌ من "أبو جودت"، ذلك الذي أخطأه الموتُ خمسةَ أجزاءٍ، لأنَّ النهايَةَ لم تُكتَبْ بعد؛ فلم يعتد المشاهدونَ على تصديق النهاياتِ التي تنتهي بموتٍ "طبيعيٍّ" للشرِّ المطلق!
موتٌ (ليس بالضرورة أنْ ينتهي بصعود الروح) يحياهُ أهل الحارة كلَّ يوم؛ موتٌ بطيءٌ تمَّ إعداده برويَّةٍ للعرض التجاريِّ في رمضان (120 أردنيا ذهبوا للتأكد من منسوب القتل هناك بحيث لا يقل عن 130 من الممثلين الحقيقيين الذين يقتصرُ دورهم على الموت قبل منتصف النهار). والعرضُ لم ينتهِ بعد؛ فسيمتدُّ الموتُ حتى يُصبحَ "دراما تاريخية" عن "أسد" قتلته يداه!

[email protected]