الجزائر: تعديلات دستورية تحدد حكم الرئيس بولايتين

أعضاء البرلمان الجزائري يصوتون على تعديلات الدستور الأخيرة أمس-(ا ف ب)
أعضاء البرلمان الجزائري يصوتون على تعديلات الدستور الأخيرة أمس-(ا ف ب)

الجزائر - أقر البرلمان الجزائري أمس تعديلات دستورية ترسم ملامح النظام لمرحلة ما بعد الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة الذي يقف وراء هذا التعديل.
وبعد ان حد بشكل كبير من نفوذ اجهزة الاستخبارات، دفع بوتفليقة نحو اقرار هذه التعديلات الدستورية التي تطرق اليها للمرة الاولى عام 2011 لدى بدء الحراك الذي عرف باسم الربيع العربي.اضافة اعلان
والبند الابرز بهذا التعديل يتضمن اعادة تحديد حكم رئيس البلاد بولايتين فقط.
وكان بوتفليقة نفسه عدل الدستور من قبل للتمكن من تولي اربع ولايات رئاسية متتالية. فقد انتخب العام 1999 ثم اعيد انتخابه العام 2004 ثم تسلم ولاية ثالثة العام 2009 وهو اليوم في ولايته الرابعة التي بدأت العام 2014 وسط حراك سياسي من المعارضة التي تشكك في شرعية الولاية الرئاسية الرباعة لأسباب منها الغموض حول صحة الرئيس.
وبإمكان الرئيس الجزائري حاليا انهاء ولايته الرابعة حتى 2019 والترشح لولاية خامسة اذا رغب بذلك.
وبموجب التعديل الدستوري سيحظر على المواطنين مزدوجي الجنسية تولي مناصب رسمية عليا، في اجراء يثير غضب الجزائريين الذين يحملون الجنسية الفرنسية وهم بمئات الالاف.
وصوت 499 نائبا في البرلمان الذي يضم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الامة الى جانب التعديل، فيما اعترض اثنان وامتنع 16 عن التصويت.
وكان اقراره يتطلب موافقة 75 بالمئة من النواب (462 نائبا) واعضاء مجلس الامة (144 عضوا).
كما يتضمن مشروع الدستور الجديد اعتبار الامازيغية "لغة وطنية ورسمية" وهو مطلب قديم لقطاع كبير من الجزائريين المتحدثين بهذه اللغة في منطقة القبائل في وسط البلاد ولسكان منطقة الاوراس في الشرق والطوارق في الجنوب.
واشاد رئيس الوزراء عبدالمالك سلال بالتصويت قائلا في كلمة امام البرلمانيين "استجبتم لنداء صانع السلم والاستقرار، صانع الجمهورية الجزائرية الجديدة" معتبرا ان التعديل يكرس التداول الديمقراطي "عبر انتخابات حرة" ويشكل "وثبة ديمقراطية ويمثل حصنا منيعا ضد التقلبات السياسية والأخطار التي تهدد أمننا الوطني".
ومع عدم التخلي عن الحذر اعتبر المعارض جمال زيناتي انه "مع التعديل الحالي فإن دستور بلادنا بات يجمع اخيرا كل الادوات اللازمة للبناء الديمقراطي".
واضاف في مقالة له نشرت في صحيفة 'الوطن' المحلية "الا انه ومع تحول خرق القانون الى قانون، فإن الامر لا يشجع كثيرا على الثقة" بالنظام.
وكان رئيس الحكومة الاسبق علي بن فليس الذي ترشح ضد بوتفليقة مرتين اكثر حدة في انتقاده معتبرا ان الهدف من هذا التعديل الدستوري "حل مشاكل النظام السياسي الحالي وليس حل مشاكل البلاد".
وبعد اقرار التعديل في البرلمان اعلن بوتفليقة تشكيل "خلية متابعة" للعمل على التنفيذ الدقيق في اقرب الآجال لما اقر.
ويأتي هذا التعديل للدستور بعد حل دائرة الاستعلام والامن (الاستخبارات) نهائيا واستبدالها بثلاث مديريات ينسق عملها مستشار في رئاسة الجمهورية في الثلاثين من كانون  الثاني (يناير). وكان هذا الجهاز يعتبر بمثابة "دولة داخل الدولة".
سياسة المصالحة الوطنية
وأدخل التعديل الدستوري في مقدمة الدستور اشارة الى ضرورة الحفاظ على "سياسة السلام والمصالحة الوطنية" التي اعتمدها بوتفليقة لإنهاء "المأساة الوطنية" في اشارة الى الحرب الاهلية خلال التسعينات.
ويعتقد أن سياسة المصالحة تحول دون كشف الحقيقة حول تجاوزات كثيرة حصلت خلال هذه الفترة.
ويتيح الدستور بصيغته الجديدة تعديل بعض نقاطه في حال وصول غالبية اسلامية الى السلطة، ففي 1992 الغى الجيش استحقاقا انتخابيا بعد نصر كاسح للجبهة الاسلامية للإنقاذ (تم حلها) التي ارادت الغاء الديمقراطية واقامة جمهورية اسلامية بموجب الشريعة. وادى ذلك الى نزاع استمر عقدا واسفر عن مقتل 200 الف شخص.
وقال مسؤولون حكوميون إن التعديلات استكملت الاصلاحات السياسية التي تعهد بها بوتفليقة بعد انتفاضات الربيع العربي في العام 2011 لكن قادة المعارضة رفضوا التغيرات وقالوا إنها ظاهرية.
ويتمتع حلفاء بوتفليقة بالأغلبية في غرفتي البرلمان على الرغم من مقاطعة بعض أحزاب المعارضة للتصويت.
وحضرت زعيمة حزب العمال لويزة حنون جلسة المصادقة وقالت في تصريح مقتضب للصحافة، إن حضورها جاء بناء على طلب من اللجنة المركزية للحزب ولأن الوضع خطير في البلاد، لكن محللين قالوا إن السبب الحقيقي هو حضور النواب المنشقين من الحزب والذين قرروا التصويت بـ"نعم" على مشروع التعديل.
وكان من المقرر قبل طرح مشروع تعديل الدستور على البرلمان للمصادقة عليه، طرحه على الاستفتاء الشعبي لكن الرئيس الجزائري قرر لاحقا الاستغناء عن الاستفتاء وعرضه على البرلمان لضمان تمريره حيث يهيمن نواب حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم على المجلس.
مقاطعة وتشكيك
وقاطع نواب المعارضة الجلسة احتجاجا على ما يرونه عدم شرعية النص الجديد، واعتبرت الأمر مجرد تجميل لإخفاء العيوب الجراحية وليس من أجل بناء دولة مؤسسات وديمقراطية حقيقية.
وترى قوى المعارضة الجزائرية أن التعديلات التي أدخلها بوتفليقة لا ترقى لمستوى تحديات المرحلة ولا إلى الحدّ الأدنى من مطالبها (أي المعارضة) ومن ضمنها انشاء لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات.
وتجادل المعارضة بأن تعديلات بوتفليقة فتحت جدلا كبيرا خاصة منها المادة 51 من مشروع الدستور التي تقصي الجزائريين من ذوي الجنسية المزدوجة من تولي مناصب سيادية في الدولة.
وأشارت إلى أن هذه المادة فجرت أزمة ثقة مع مواطني الجزائر بالخارج.
وفجر التعديل خلافات شديدة بين قوى الموالاة نفسها، خصوصا بين الحزبين الرئيسيين، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، بسبب رغبة كل منهما قيادة القاطرة في الترويج لتعديل الدستور.
وتدافع السلطة عن مشروع الدستور الذي أقر الأحد بأنه عقد اجتماعي وطني يؤسس لبناء الجمهورية الثانية والدولة المدنية.
لكن المعارضة تشكك في نوايا السلطة وتعتقد أن المادة المتعلقة بتحديد ولايتين رئاسيتين بعد أن عدل بوتفليقة في السابق الدستور ليترشح للرئاسة وآخرها ولايته الرابعة، مجرد مناورة من قبل نظام الحكم للالتفاف على الاستحقاقات الديمقراطية والتنموية والسياسية ومحاولة للهروب من أزماته الداخلية.