الجندي: لن أترك الموسيقى.. وشغفي يدفعني للبحث بعوالمها دوما

الموسيقي طارق الجندي- (من المصدر)
الموسيقي طارق الجندي- (من المصدر)

غيداء حمودة

عمان- اكتشف شغفه بالموسيقى عندما كان في الحادية عشرة من عمره، وقام بتجميع ثمن آلة الجيتار من "العيديات" ليشتري واحدة بسبعة دنانير من المكتبة ويبدأ بالعزف عليها.اضافة اعلان
ارتباطه الكبير بالموسيقى تأكد لديه مجددا عندما قرر أن يترك العود جانبا لأسبوع عندما كان يدرس الهندسة الكيمائية في الجامعة، محاولا التأقلم معها، إلا أنه عاد يعزف وهو يبكي في أول مرة يمسك بها العود بعد 7 أيام، وأدرك يومها بدون أي تردد "هذا ما أريد ولن أترك يوما الموسيقى".
الشغف ذاته هو ما يقود المؤلف والموسيقي وعازف العود طارق الجندي لتقديم أمسية مهمة في مسيرته الفنية ولأول مرة بمصاحبة أوركسترا مكونة من 40 عازفا على المدرج الروماني عند الثامنة من مساء يوم غد.
أمسية غد التي تحمل عنوان "طارق الجندي والأوركسترا" بقيادة المايسترو محمد عثمان صديق، والتي تأتي بدعم من مؤسسة عبدالحميد شومان، هي "حلم انتظرته وخططت له منذ 4 سنوات"، يقول الجندي.
وأضاف "لقد تخيلت نفسي مرات ومرات وأنا على مسرح المدرج الروماني بصحبة الأوركسترا وسافرت أفكاري مئات المرات لهناك، كما بنيت تصورا لكيف سيكون صوت العود مع الأوركسترا".
وسوف يقدم الجندي في الأمسية 11 مقطوعة موسيقية، أغلبها من تأليفه وتوزيعه، مبينا أن هاجسه في هذا العمل هو "إظهار العود بشكل يليق بالموسيقى الشرقية وشرقية الآلة نفسها" وتوسيع جوانب التعبير في موسيقاه ومزج الأصوات بشكل جميل.
وحول إعداد عمل خاص للأوركسترا، يقول الجندي في حواره الخاص مع "الغد" إن الموسيقى الشرقية مبنية على الارتجالات وإعادة الجمل بشكل تطربيي، مشيرا إلى أنه استفاد في الإعداد لهذا العمل من خبرته في الأوركسترا التي التحق بها العام 2008 كعازف تشيلو، بالإضافة إلى قيامه بدراسة التوزيع الأوركسترالي وتثقيف نفسه فيه منذ العام 2014، واستشارته لعدد من الأستاذة منهم محمد عثمان صديق والدكتور هيثم سكرية.
الجندي الذي حصل على منحة لدراسة آلة التشيلو في المعهد الوطني للموسيقى في العام 2007، كان قد بدأ بالتأليف الموسيقي منذ أن كان على مقاعد الجامعة، وله مؤلفات بقوالب موسيقية متنوعة، منها ما هو للتخت الشرقي، بالإضافة إلى دراسات لآلة العود وموسيقى لأعمال مسرحية، وأغان للأطفال.
وحول الفرق بين التأليف والعزف، يوضح الجندي "أن المؤلف يضع مشاعره في فكرة موسيقية لا يستطيع التعبير عنها بالكلام، وليس شرطا أن يكون المؤلف عازفا ماهرا، في حين أن العازف يتقن تقديم هذا العمل بإحساس عال".
خلال مشواره الفني، حصد الجندي على جوائز عدة منها المركز الثاني في مسابقة العود الدولية التي أقيمت بجامعة الروح القدس-الكسليك في لبنان العام 2008، والجائزة الخاصة في مهرجان المقام الدولي الذي أقيم في مدينة باكوفي  أذربيجان في العام 2013، والمركز الثاني في المسابقة نفسها العام 2015، بالإضافة إلى المركز الأول في جائزة الإبداع الموسيقي من وزارة الثقافة في الأردن في العام 2016.
ويؤكد الجندي "لم أتوقع يوما حصولي على جوائز أو الوصول لما وصلت إليه"، مبينا أنه كان يعمل بجد بدون توقعات، و"بمجرد العمل بما أحب كان يجلب لي السعادة".
وحول نشأته، يبين الجندي أنه استمع للموسيقى الأصيلة منذ صغره، فمن جده الأول كان يستمع دائما لفريد الأطرش وعبد الوهاب وأم كلثوم، وكان جده يحدثه عن أمسيات أم كلثوم التي حضرها شخصيا، ومن جده الثاني كان يستمع للقدود الحلبية والطرب، مستذكرا أنه في الصف السادس الابتدائي كان حافظا لأعمال فريد الأطرش.
أما فترة المراهقة فقد كانت مختلفة بالنسبة له عن الآخرين؛ إذ كان ينتظر العطلة الصيفية ليعمل، ويقسم ما يجنيه بين شراء الكتب وشراء الكاسيتات، لتكون هذه الفترة كثيفة بالقراءة والعزف.
وفي السياق ذاته، يشير إلى أنه كبر مع أب كان يعمل في الجيش، فتعلم منه الانضباط وتقدير الوقت والالتزام.
الجندي كان قد أصدر مؤخرا كتاب "مؤلفات ودراسات لآلة العود" الموجه للمستويين المتوسط وحتى المتقدم لآلة العود، وهو حصيلة ما ألفه ما بين العامين 2003 و2017 من مقطوعات موسيقية آلية، موثقة بشكل يوضح "وضعية الأصابع والدايمنكس والسرعات وجميع التفاصيل التي تخص العازف الدارس للموسيقى"، بحسب الجندي.
ويؤمن الجندي، الحاصل على درجة امتياز في الماجستير من الجامعة الأردنية تخصص تربية موسيقية، بأهمية تنشئة الأطفال على الفنون والقيم الجمالية والأخلاقية، ويرى أن تنشئة جيل من الأطفال منذ الصغر على الموسيقى الجيدة والعمل على رفع تذوقه سينتج عنه خلق جيل واع في المستقبل يحمل قيما أخلاقية وجمالية معه.
ويرى في هذا الصدد أنه من المهم "العمل على التنشئة الصحيحة قبل الإصلاح"؛ حيث إن "البناء أهم من الترميم"، وفق الجندي، وهذا ما دفعه لتتنفيذ مشاريع ثقافية عدة في المحافظات وتأسيس أوركسترات في السلط والغور والكرك والطرة وعجلون.
ويرى الجندي أيضا ضرورة نشر الموسيقى الجيدة وتمكين الراغبين باحتراف هذا المجال، ولذلك يعقد بشكل مستمر ورشات عمل موسيقية بالتعاون مع مؤسسات مختلفة من المجتمع المدني والهيئات الحكومية المعنية بالشأن الثقافي داخل العاصمة وخارجها، ويقدم دعمه بشكل دائم لجيل الشباب.
احترف الجندي الموسيقى، ما يعتبره "أمرا ليس سهلا لكنه ليس مستحيلا أيضا"، وأصدر حتى الآن 5 ألبومات هي "بين بينْ"، "ترحال"، "ألحان من طفولتي"، "موسيقى من عمّان"، و"صور"، كما شارك مع العديد من فرق العزف، وقدم عروضا موسيقية في العديد من الدول في أوروبا وآسيا وافريقيا.
كان هنالك دائما صوت داخلي يلح على الجندي باستمرار بشأن علاقته بالموسيقى، وهو ما جعله يترك العمل بالهندسة، ويمضي في هذه الرحلة، التي ما يزال يكتشف ويبحث فيها، ويعمل على تطوير مشروعه الموسيقي ونقله لآفاق أوسع.
اليوم؛ بعد 24 سنة من المثابرة والإصرار، يؤكد الجندي "أستطيع القول إني خلقت لأكون موسيقيا، ولو عاد بي الزمن لن أختار سوى الموسيقى".