الجنس في الإسلام

ذكّرني كتاب عالم الاجتماع التونسي د. عبدالوهاب بوحديبة "الإسلام والجنس" بما كنت رصدته في وقتٍ مبكر من حياتي العلمية، وهو انفتاح الثقافة العربية، قبل الاسلام وفي اثنائه وبعده، على الجنس باعتباره موضوعاً طبيعياً، لا خطر في تناوله او الحديث عنه من أيّ بعد. واذ كان القرآن الكريم -وهو كتابٌ تعبديّ يتلوه لذلك الكبار والصغار- يحفل بالمفردات والاشارات الجنسية في لغة مباشرة او مجازية، فإنه امتنع عن ان يحذر -ولو مرة واحدة- من التصريح بالجنس ومفرداته والاعلان عنه، اي ان الكتاب الكريم قد خلا خلوا تاما -وكذلك الحديث الشريف- من أية اشارة تنبئ عن ان هذا الموضوع من المحظورات، بل على العكس من ذلك راحا -القرآن والحديث- يشرحان ويفصلان بلا أدنى حرج اجتماعي أو ثقافي.

اضافة اعلان

لقد كان القرآن الكريم -لو أراد الله- يستطيع ان يبكّت الجنس لو كان يسيء به ظنا، او لو كان شرا من تلك الشرور التي تؤذي البدن او النفس والروح او تعتدي على الآخر. وكانت الحالة الوحيدة التي حظرها حظرا "الزنا". ولكن الاسلام الذي هو انسجام كامل مع الطبيعة وقوانينها، أعلى من قيمة الجنس في حياة الناس، ودفع إليه -عبر مؤسسة الزواج طبعا- وحث عليه "تناكحوا تناسلوا"، و"انكحوا الأيامى منكم والصالحين". بل ان مصطلح "النكاح" -الذي هو فعل الجنس- صار يعني في الاسلام "الزواج"، مما ينبئ عن وضوح اللغة والمشرع في تناول الجنس خالصا -هذا التناول- من اي ادانة اخلاقية، او اشمئزاز حضريّ.

ولكن الثقافة العربية في عهودها الاخيرة -وهي ثقافة ذكورية عالية الصوت، صارمة الفعل- ربطت بين المرأة والجنس ربطا جعل من المرأة كائنة جنسية تنضح بالجنس -من وجهة نظر الرجل- ومن ثم بالإغواء. فصار لزاما عليه ان يحارب الجنس في اللغة والخطاب والفنون والآداب، لأنها -في رأي هؤلاء- "تفضح المرأة في خصوصيتها، وتكشف عورتها". واين كانت تلك الخصوصية اذن في زمن الرسول الكريم الذي كانت تسأله نساء المدينة فيها حتى يحمر وجهه الشريف؟ بل اين تلك الخصوصية والقرآن الكريم يقول: "هن لباس لكم وانتم لباس لهن" (البقرة: 187)؟ وكيف نستطيع ان نفسر لأطفالنا الآيات "ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة..." (المؤمنون: 14) من دون ان نبدأ بالحديث عن العملية الجنسية بين الانثى والذكر؟

ان المذهب الطُّهراني الذي يعقّم (كما يعقم الكحول من الجراثيم) الثقافة من الافكار واللغة من الكلمات، وهو المذهب السائد اليوم، لا يخدم الاسلام في شيء. لأنه يقوم على إبعاد الدين عن خصائصه الاصلية، وعن التصاقه بالطبيعة، وعن انصياعه لقوانين الفطرة البشرية. وهذا المذهب الطارئ على ثقافتنا العربية المنفتحة اصلا، يجد له مثيلا في تاريخ الاديان الاخرى، كالمسيحية في الغرب مثلا. وبذلك يكون اتباعه -شاؤوا أم أبوا- ناهلين من المعين نفسه الذي نهل منه طهرانيو الغرب، وهو التشدد المَرَضي الذي يُرَجّس (اي يعتبره رجسا) كل شيء، ابتداء من الجنس والمرأة.

فكلما ازداد الحظر والمنع ازداد الهوس بالجنس ليصبح حالة مرضية، وكان دليلا على انه قد تحول لدى مانعيه الى ما يشبه الوسواس القهري المسيطر على الذهن.

ولا غرابة ان الشعوب العربية التي تنصاع لهؤلاء الطهرانيين شديدة الهوس بالجنس، وانه -الجنس- يسيطر على عقول الشباب سيطرة تعيق عن العمل والتفكير الخلاق. ذلك ان احاطة الموضوع بكثير من الرهبة والسرية تغري بمحاولة اختراقهما، وغالبا ما تكون بطرق رعناء ومشوهة وضارة، مثل اللجوء الى المخدرات لتطويع المخيّلة لاحلام الجنس، او اللجوء الى افلام البورنو المهربة (وهذا ينعش هذه التجارة القذرة) لاشباع الرغبة التي زادها الكبت جموحا.

ان الجنس فطرة الخالق في الخلق، واي برمجة قسرية لتناوله في الثقافة تفرز اجيالا مأزومة، وتحرّض على تغييب المرأة ككائنة مذنبة، وكموضوعة جنسية فحسب.