الجنوب السوري

الحراك الذي تقوم به التنظيمات الإرهابية المرتزقة في الجنوب السوري بات واضحا، فتحريك الجبهة السورية الجنوبية من قبل أولئك الإرهابيين جاء متوازيا مع حراك سياسي وعسكري من قبل الجيش السوري والجيش الأردني، فسره مراقبون بأنه تقارب بين الطرفين، وتليين بين الجارين الأردني والسوري.اضافة اعلان
فالجيش الأردني نفذ طلعات جوية حربية جريئة، دكّ فيها معاقل الإرهابيين في الجنوب السوري، وأرسل رسائل شديدة الوضوح، مفادها رفض كامل لتواجد مرتزقة على حدودنا الشمالية، فيما يحقق الجيش السوري إنجازات على الأرض، أعاد بموجبها الكثير من المدن والقرى والبلدات إلى حضن الوطن، وكنس الإرهابيين وأعوانهم منها، فضلا عن مصالحات داخلية تجري على قدم وساق، كان للجنوب السوري نصيب منها.
هذا الوضع التقاربي، الذي لمسه الإرهابيون وممولوهم الخارجيون لا يريدونه، وهو ما دفعهم لتحريك أعوانهم للقيام بعمليات انتحارية قريبة من حدودنا الشمالية، لإجهاض أي تحركات سياسية وعسكرية بين الطرفين السوري والأردني، قد تذهب لاحقا أبعد من درعا ومحيطها لتشمل كامل الجنوب السوري، ليعم الأمان مناطقنا الشمالية، بما يبعدها عن حركات المرتزقة الإرهابيين.
يمكن ملاحظة تلك الجهود التخريبية من خلال قراءة التحولات التي طرأت عند إرهابيي جبهة النصرة مؤخرا، وتصعيدهم بشكل كامل في الجنوب السوري، وخاصة في درعا ومحيطها، وقيام التنظيم الإرهابي بإجراء تداخلات عسكرية ومناوشات مع الجيش السوري والتصعيد في الجبهة الجنوبية وقطع الطريق على أي تفاهمات ممكنة، ولذا فإنه لا يمكن قراءة ما تقوم به جبهة النصرة بأنه وليد الصدفة، أو نتيجة تحركات منفردة، وإنما العارف بألف باء السياسة يخرج باستنتاج أن تلك التحركات، إنما جاءت نتيجة أوامر مباشرة من المشغلين الخارجيين لتلك التنظيمات، للقيام بما يقومون به حاليا في درعا وريفها الجنوبي، والهدف من وجهة نظرهم أضعاف أي تفكير مستقبلي من قبل الجانبين الأردني والسوري بفتح المعبر الرسمي بين البلدين، أو تأمين الطريق البري الواصل بين عمان ودمشق، وإعادة انسياب العلاقة بشكل أكثر وضوحا.
وبالرغم من أن عمان ما تزال تحتفظ بسفارة لها في دمشق، ويدلي المسؤولون عندنا بتصريحات تذهب دوما باتجاه الحياد والبحث عن حل سياسي والدعوة له، إلا أن البعض كان يريد للعلاقة أن تبقى في حدودها تلك، من دون تطوير أو تقارب، فيما يبدو أن حرص الأردن على متابعة كل شاردة وواردة في حدوده الشمالية، وعدم التهاون مع الإرهابيين مهما كان مشغلوهم وضربهم في معاقلهم قد أزعج الإرهابيين ومشغليهم، فجاءت تحركات الإرهابيين لإرسال رسائل مزدوجة؛ الأولى للسوريين بأن أمر الجنوب السوري لم يحسم بعد، والثانية لنا في الأردن بأنه يوجد لاعبون آخرون في الجنوب السوري يتوجب حساب أمرهم أيضا في أي مرحلة من مراحل الحراك السياسي.
المراقبون والمتابعون باتوا يلمسون، تحديدا من خلال متابعة مؤتمر استانا، الغياب الواضح للمعارضة السورية السياسية وبروز المعارضات المسلحة المتشددة والإرهابية، كما يمكن تلمس تفتت المعارضة السورية وتعدد مرجعياتها، وليس أدل على ذلك مما قاله عبد الباسط سيدا، الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض في تصريحات صحفية، إذ قال: "لم تتمكّن القوى السياسية في المعارضة السورية بكل أسف من توحيد المواقف كما ينبغي (..) لم يكن في مقدورها طمأنة السوريين من سائر المكوّنات كما ينبغي"، وختم سيدا بالقول: "في ظل واقع تبعثر الجهود الميدانية، وتشتّتها، وتباين مرجعياتها، تبدو المعادلة السورية مستحيلة الحل".
عمليا سيدا اعترف بما لم يعترف به البعض حتى اليوم، ممن ما يزالون يأملون أن تقوم إسرائيل بالمهمة نيابة عنهم، فيما يبدو أن الأردن تلمس ما تعانيه المعارضة السورية من تباينات وتعدد مرجعيات، فكان لا بد من اتخاذ خطوات لإبعاد المرتزقة الإرهابيين عن شمالنا أكثر ما يمكن، وضرب تجمعاتهم إن لزم الأمر، والتقارب مع الجيش النظامي الذي يوسع دائرة نفوذه يوما بعد يوم، وهو الأمر الذي لم يرضِ أطرافا عربية وإقليمية، فباتت تعمل لتخريب أي تقارب مستقبلي.