الجهل والتجهيل والتضليل ترسخ الغلو والتطرف والإرهاب

 أسامة شحادة

شهدت مدينة بوجور الإندونيسية مؤتمرا بعنوان "ائتلاف الأمة والسنة في مواجهة الغلو والتطرف" وذلك يومي 7-8/4/2017، بحضور واسع من شخصياتٍ من دول الآسيان (إندونيسيا والفلبين وكمبوديا وتايلند وسنغافورة ولاوس وماليزيا)، وقد حضر انطلاق أعمال المؤتمر رئيس مجلس الشورى الإندونيسي ذو الكفل حسن، ورئيس أركان منطقة بوجور، والسفير السعودي، وممثل عن السفارة الكويتية والسفارة السودانية وقد غطّته العديد من وسائل الإعلام.اضافة اعلان
وبعد ندوات ومحاضرات وورشات متخصصة استمرت على مدى يومين صدر عن المؤتمر بيان كان من أهم ما جاء فيه ما يلى:
•    "المنهج الوسطي هو الإسلام الحق الذي يلزم المسلمين اتباعه وعدم الحيدة عنه، كما قال تعالى: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّة وَسَطا لِتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيكُم شَهيدا﴾ (البقرة: 143) ولا وسطية إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ونهج صحابته الكرام، قال تعالى: ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ (آل عمران: 31).
•    "ويحرم أن يصل الاختلاف بين الأمة إلى حد الشقاق والتباغض والتنازع المفضي إلى الفشل ﴿وَأَطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرينَ﴾ (الأنفال: 46) ما داموا يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان ومرجعية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعظمون آله وصحابته وأزواجه، وكلّهم ورَد الكتاب والسنة بتزكيتهم والثناء عليهم واختارهم لصحبة رسوله ونصرته ونَشَر الله بهم الإسلام في الآفاق وحفِظ بهم الدين والعلم".
•    "الحذر من مناهج الغلو، ومنها الغِلّ على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات المفضي إلى تكذيب القرآن الذي نصّت آياته على تحريم ذلك ﴿وَالَّذينَ جاءوا مِن بَعدِهِم يَقولونَ رَبَّنَا اغفِر لَنا وَلِإِخوانِنَا الَّذينَ سَبَقونا بِالإيمانِ وَلا تَجعَل في قُلوبِنا غِلّا لِلَّذينَ آمَنوا رَبَّنا إِنَّكَ رَءوفٌ رَحيمٌ﴾ [الحشر: 10]".
•    "يوصي المجتمعون الدول والشعوب الإسلامية بالحذر من تغلغل الدعوة إلى مذاهب الغلو والتطرف والتكفير".
•    "إن دعاة الطائفية والعاملين على نشر المنهج الصفوي يتّبعون من أجل النفوذ في البلدان المستهدفة طُرقا ميكافيلية كالرشوة وشراء الولاءات والكذب واستئجار العصابات الإجرامية وتهريب المخدرات والسلاح بل وصناعة جماعات إرهابية لإحداث انقسام في المجتمع وتشويه المجتمع السني وضربه بتهمة الإرهاب".
•    "العمل على التواصل بين جميع فئات أهل السنة داخل إندونيسيا ودول الآسيان وجمع كلمتهم وتوحيد رؤيتهم وأهدافهم وتفويت أي فرصة على من يريد استغلال اختلافاتهم لتمزيقهم أو رميهم بالإرهاب والداعشية".
هذه النتائج والتوصيات التي خرج بها المؤتمر هي انعكاس للحقائق المخيفة التي عُرضت فيه عن خفايا تغلغل تنظيمات الغلو والتطرف المتنوعة في دول الآسيان ضمن مخططات كبيرة تستهدف اختراق أجهزة الدول من جهة أو الجهات الدينية الرسمية أو الحركات الإسلامية والشباب والشابات ونشر فكر الغلو والتطرف، والذي سيفرز الأعمال الإرهابية بشكل أكيد لاحقا، فقد تبين مثلا وجود اختراق في منظومة مناهج التعليم في إندونيسيا بحيث يتم دسّ بعض المفاهيم الغالية والمتطرفة في أذهان الطلبة بشكل لا واعٍ، ما يؤسس لتكرار تجربة نيجيريا في أفريقيا حيث تشكلت مليشيات مسلحة إرهابية من قبل شخصيات نيجيرية تشيّعت وأصبحت أدوات لملالي طهران في أفريقيا بقيادة إبراهيم الزكزاكي، واصطدمت بالدولة، وهو نفس المخطط الذي تقوم به إيران في كل مكان بدسّ أفكار الغلو والتطرف الشيعية لتكون الخميرة التي تؤسس عليها المليشيات الشيعية (الوطنية) في البلاد المستهدفة في آسيا وأفريقيا.
خلال فعاليات المؤتمر في بوجور كانت الأنباء تصل عبر وسائل التواصل والإعلام عن هجوم وتطاول  المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية على الأردن، والتي استدعت بسببها الخارجيةُ الأردنية السفير الإيراني وأبلغته احتجاجا شديد اللهجة على تجاوز إيران للأعراف الدبلوماسية والتدخل في شؤون الدول الأخرى، ما يؤكد أن الغلو والتطرف والإرهاب الإيراني هي السياسة المعتمدة للدولة ومؤسساتها وليس غلوا وإرهابا يقوم به فصيل إيراني مناوئ للدولة الإيرانية أو غلوا وتطرفا يدعمه فصيل أو تيار أو جناح في الدولة الإيرانية، كلا، بل هو السياسة المعتمدة للدولة الإيرانية كلها بل وحتى حين يقودها الجناح الإصلاحي أو المعتدل لا تختلف السياسة الإرهابية والمتطرفة.
وليست هذه أول مرة تهاجم فيها إيران ووكلاؤها من المليشيات الشيعية الإرهابية الأردن، فقد سبق لها مهاجمته من قبل، بدءا من العام 2001، خصوصا أن الأردن كان سباقا في التحذير من الهلال الشيعي الذي سعت إيران لفرضه في المنطقة، وقد تبين للجميع اليوم صدق ذلك التحذير ودقّته، ولكن بعد تدمير بلدين عظيمين هما العراق وسورية، وقتل ما يزيد على مليون مواطن فيهما.
وحين نربط أجزاء الصورة معا بين الحقائق الخفية التي تكشفها كلمات ممثلي دول الآسيان عن تغلغل الغلو والتطرف في بلادهم من قبل شخصيات ومؤسسات متعددة دينية ومدنية وإغاثية وبين تصريحات الخارجية الإيرانية ضد الأردن تتكامل الصورة ليظهر المشروع الإيراني الحقيقي والذي يجمع بين القوة الناعمة والاختراق الاجتماعي والثقافي للدول والشعوب من جهة وبين القوة الصلبة المعتمدة على الميلشيات الشيعية الإرهابية التي تقوم إيران بتأسيسها ورعايتها وحمايتها والدفاع عنها وعن جرائمها كما هو حال حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية والحوثيين والشخصيات الإرهابية المنقلبة على أوطانها مثل نمر النمر السعودي الذي أحرق الحرسُ الثورى القنصلية السعودية من أجله!
فالمشروع الإيراني إذًا يعتمد على بث الفكر الطائفي التكفيري للصحابة الكرام وأمهات المؤمنين وكل المسلمين الذين لا يؤمنون بإمامة الشيعة، ومن ثم تكون لهؤلاء التكفيريين والإرهابيين مليشيات طائفية تقتل بقية المواطنين وتفجّر مساكنهم ومؤسساتهم وتهدم بنيتهم التحتية، وهو ما يجري علنًا في العراق وسورية واليمن!
ولو دققنا النظر في سبب نجاح إيران في تحقيق عدوانها على الكثير من دول العالم هو الجهل بحقيقة الفكر الذي رسّخه الخميني في إيران الثورة، وعليه تم بناء الحرس الثوري، وهو جهل يشترك فيه أغلب رجالات الحكم والسلطة في عالمنا، وجهل أغلب قادة الحركات الإسلامية بالفكر التكفيري الطائفي الذي أصّله الخميني في كتبه، وجهل غالب العامة من المسلمين بحقيقة الشعارات البراقة التي ترددها إيران عبر أبواقها المأجورة.
وإذا كان الجهل بحقيقة الفكر الذي يتبناه الملالي هو سبب مرور هذا المشروع المتطرف وترسخ عدوانه واحتلاله، فإن سياسة التجهيل القائمة على قدم وساق في دول كثيرة والتي تسعى لتقليص المعرفة الدينية في المدارس والتلاعب بالمناهج الإسلامية فيها والتضييق على كليات الشريعة في الجامعات واضطهاد البرامج الإسلامية في وسائل الإعلام، حتى وصلت المطالبات لحد التطاول على المؤسسات الإسلامية والسعى إلى تهميشها وإنهائها ويتجسد ذلك بكل وضوح في محاولات هدم الأزهر في مصر وأمثاله في عدد من الدول العربية والإسلامية.
وسيكون لسياسات التجهيل المقصودة نتائج كارثية في المرحلة القادمة باستفحال فكر الغلو والتطرف والطائفية من خلال تحطيم كل خطوط الدفاع لدى الناس أمام هجمات الغلو والتطرف الطائفية التي ترعاها إيران بجميع الوسائل من استقطاب الطلبة لجامعاتها وحوزاتها الطائفية وتأسيس المدارس والمعاهد والمنابر الإعلامية في شتى دول العالم، والتي تستثمر فيها إيران المليارات!!
ويكمل التضليل الإيرانى مهمة التجهيل، فتحريف الحقائق ونشر الأباطيل كما يتبدى في تصريحات الناطق باسم الخارجية الإيرانية من خلال مهاجمة الأردن وأنه يحمي الدواعش بدلا من أن تثبت إيران براءتها من رعاية الإرهاب والطائفية سواء بدعم المليشيات الشيعية الإرهابية في كل دول العالم وجلبها لسورية لتقتل الشعب السوري أو من خلال حمايتها وإيوائها وتوظيفها لقادة القاعدة وداعش وهي القضية التي أصبحت أوضح من الشمس في كبد السماء، ولذلك أدانت المحاكم الأميركية إيران بالتورط في تفجيرات نيويورك في 11/9/2001 وليس السعودية! حيث حاول الإعلام الإيراني أن يضلل الرأي العالمي بذلك سنوات طويلة، ولكن ظهرت الحقيقة بأن إيران هي المتورطة! 
وعلى هامش مؤتمر إندونيسيا زرتُ مئات الطلبة والطالبات في معهد رائد لنشر العلم والمعرفة، للحوار حول حقيقة الغلو والتطرف والإرهاب الذي يشهده عالمنا العربي، وقد فوجئت بمستوى الوعي والمعرفة والمتابعة لأحوال بلادنا لدى هؤلاء الشباب والشابات الإندونيسيين، والذين هم في تعطش لمعرفة الحق والحقيقة، فلا تبخلوا عليهم.
ومرة ثانية، كان الجهل والتجهيل والتضليل حاضرا في ثنايا الحوار وعشرات الأسئلة عن داعش وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام وحقيقة ما يجري من الحشد الشيعي في العراق والميلشيات الشيعية في العراق وسوريا.
فهؤلاء الشباب يجهلون حقيقة فكر القاعدة وداعش وأمثالهما من التنظيمات التكفيرية وأنه نشأ على يد شباب صغار السن وصغار العلم، وليس في هذه الجماعات لليوم عالم معروف، ولذلك تقوم هذه التنظيمات بالتكفير الخاطئ للمسلمين، ومن ثمّ قتلهم وقتالهم، لكن بعد أن يتسببوا في كثير من الكوارث ويكبروا في السن وتزداد خبرتهم رأينا كثيرا من قادتهم يتراجعون ويتخلّون عن تطرفهم وإرهابهم!
وهوؤاء الشباب والشابات يجهلون التاريخ الإجرامي الحقيقي لهذه التنظيمات فقتل المخالفين من العلماء والمجاهدين وتصدير الجهال واختراق أجهزة المخابرات المتنوعة لهم متعدد وكثير جداً، وهذا الجهل يتسبب في قبولهم للأضاليل التي يروجها الإعلام التكفيري.
فالإعلام التكفيري ينشر الكثير من الأباطيل عن جهاد هذه الجماعات، وأنها هي الممثل الصحيح للإسلام، ويساعد في قبول هذه الضلالات لدى الشباب في إندونيسيا وغيرها قوة انتشار الإعلام التكفيري برغم كل مؤتمرات وتصريحات محاربته محليا ودوليا! وقوة الإعلام التكفيري في التأثير والإبهار على المشاهدين، خصوصا من الشباب، فالخطاب الإعلامي التكفيري خطاب قوي عاطفي متحمس يلهب مشاعر الشباب ويقابله خطاب رسمي بارد من شخصيات دينية رسمية لا قبول لها بين الشباب، والخطاب الإعلامي التكفيري خطاب قوي في مهنيّته وتقنيّته بينما يحارَب ببرامج بائسة في تقنيتها وإمكانيتها.
ومن أسباب ضعف الإعلام المقاوم للفكر التكفيري سياسات التجهيل الرسمية والدولية التي تعتمد على إقصاء الدعاة والعلماء المؤهلين لصالح الشخصيات التابعة للمؤسسة الرسمية، كما أن غياب أي برامج رسمية حقيقية لدعم ونشر الفكر الإسلامي الصحيح الذي يفكك شبهات وأباطيل هذه التنظيمات وتوفير ذلك بكافة السبل المقروءة والمسموعة والمرئية، وبعدة لغات للشباب والشابات لمحاصرة هذا الفكر المنحرف.
ولكن الشباب والشابات المخلصين حين تُكشف لهم الحقائق وتفكّك لهم أباطيل هذه التنظيمات فإن غالبهم يتقبل ويلتزم الحق والصواب المدعّم بالأدلة الشرعية والعقلية والمنطقية.
فالشباب مثلا يصدق مزاعم هذه التنظيمات أنها هي فقط من يرفع راية الجهاد في العالَم وأن الجهاد كان "الفريضة الغائبة" وأن هذه الجماعات هي من استعادت هذه الفريضة!
وهذا باطل وكذب وتزوير وتضليل، فالشعوب المسلمة عبر العالم بقيت تجاهد المحتلين والمعتدين في سبيل الله، وتدافع عن نفسها ودينها وخيراتها، ولعل أفغانستان وفلسطين أبرز مثال على ذلك، حيث قام الشعب والحركات الإسلامية والوطنية فيهما ولليوم بالجهاد قبل ظهور هذه التنظيمات التكفيرية للوجود! كما أن الثورة العراقية 2003 والثورة السورية 2011 بدأتا وقام بهما الشعبان الأبيّان ولم ينتظرا قدوم هذه التنظيمات التي -حين جاءت- أرهقت الناس وخربت الثورة وأصبحت فعليا أكبر سند للمحتل!
وكذلك من الأباطيل والتضليل الذي يتقبله الشباب وطرحه عليّ بعضُهم هناك أن هذه التنظيمات حكّمت الشريعة فقد منعت النساء من الخروج للأسواق وأعلنت أنها ستقاتل كل الكفار! فلما تقول لهم تعالَوا نتأمل صحة ودقّة هذا الكلام العاطفي، فهل قتل هذه التنظيمات للعلماء والمجاهدين هو من تحكيم الشريعة؟ هل قطع أصابع المدخنين هو من تحكيم الشريعة؟ هل منع النساء من الخروج للسوق من تحكيم الشريعة؟ ألم تخرج النساء للسوق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟ أليس هذا تطرفا وغلوا ومزاودة على النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل من قبلهم من استقلّ صيام وصلاة وزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ وقضية قتل كل الكفار هل تصحّ مع تحريم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم قتل الأطفال والنساء والشيوخ والرهبان والمعاهدين وأهل الذمة من الكفار؟ كيف تصبح مخالفة حكم الشريعة الإسلامية بالجهل والتطرف والغلو هي تحكيم الشريعة؟ إن الجهل والتجهيل للشباب والشابات هو الذي يمكّن المتطرفين من إضلالهم!
إن الشباب والشابات في مختلف بلاد الإسلام كنز وثروة غالية علينا أن نحافظ عليها من الضياع أو التفريط بها بسبب الجهل من الساسة والنخبة وبسبب التجهيل الذي يُفرض على المجتمع باسم حرب الإرهاب ما يشكل المناخ المثالي لتقبل التضليل الذي تمارسه إيران والتنظيمات التكفيرية سواء المليشيات الشيعية الطائفية أو القاعدة وداعش.
الشباب والشابات المسلمون ينتظرون بشوق تعلّم صحيح الإسلام على يد العلماء ليخدموا أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم وبلدهم وأمتهم، لكن إن بقيت أطواق الجهل والتجهيل والتضليل تحيط بهم، فلا تنتظروا منهم إلا أن يفجروا هذه الأطواق بكل عنف، وإذا كان هذا يخدم بعض الأعداء الخارجيين فإنه خسارة تامة للجميع في الداخل سلطةً ومجتمعًا، فهل نتيقظ مبكّرين؟