الجواودة شاب كفيف يقتحم مجال الأدب ويطلق مجموعته القصصية الأولى

ربى الرياحي عمان- في تجربة جديدة يخوضها؛ أصدر الكاتب الكفيف معاذ محمد الجواودة مجموعة قصصية بعنوان “قصص قصيرة” وقد ضمت حكايات تتراوح بين الطويلة والقصيرة، مزج فيها الكاتب بين الواقع والخيال. ونثر الجواودة بعض التجارب الحياتية بأسلوب شيق وسلس، وانتقل فيها بخفة ورشاقة بين الأحداث المتسارعة تارة، والمحملة بالمفاجآت تارة أخرى مما يدل على تمكنه من أدواته وملاحقته لذلك الشغف المحرض على الإبداع والتميز. هو ككاتب كفيف استطاع أن يقتحم مجال الأدب بأولى مجموعاته القصصية مبرهنا على أن الطموح والإرادة والإصرار على الأمل مهما كان الطريق شائكا وصعبا، كلها أشياء تدعو للتمرد على سلبية المستحيل وتجاوزها لإثراء المخزون الأدبي والفكري بكل ما هو جديد ومتنوع ويرتقي بذائقة الناس.

تيم.. عداء كفيف يتطلع لـ “أولومبياد باريس” ويستلهم من كورونا الصبر

مجموعة تحوي على ثلاث قصص هادفة تختزل الكثير من الخبرات والتجارب الحياتية وهي غنية بالألفاظ السهلة والقريبة من الجميع، يركز الكاتب فيها على جانبين الرومانسي والاجتماعي، ويحاول من خلال لغته المشبعة بالمشاعر والأحاسيس الإنسانية ملامسة أعماق القارئ واستثارة عواطفه التي قد تعيش بعض التناقضات وذلك يعود حتما لقدرته على استفزاز القارئ وتحفيزه لمتابعة القصة للنهاية. يتفنن الكاتب بتوجيه تفكير المتلقي لنقطة مغايرة تماما عما يريد هو، مستندا في ذلك على أسلوب التشويق والإثارة وأيضا على فضول القارئ ورغبته في الوصول لذروة الحدث ومن ثم نهاية القصة. وهنا يتعمد الكاتب مباغتة القارئ بأمور لم يتوقعها أو ربما لم تخطر على باله وهذا حتما يساعده على إبراز عنصر الدهشة الذي يضع القارئ تحديدا تحت سطوة الغموض في رحلة ممتعة للبحث عن الحقيقة أو العبرة المستفادة بين تعقيدات الحدث وتعرجاته. وتحمل القصة الأولى عنوان اسم “قاتل” وهي قصة رومانسية يتطرق فيها الكاتب إلى قضية الحب من طرف واحد والصراعات الداخلية التي يختبرها بطل القصة هنا، إذ ينقل الكاتب بحرفية الأحاسيس والأوجاع وحتى تلك التخبطات القاسية التي تنتاب البطل وتؤثر عليه ساردا أدق التفاصيل لكي يشعر المتلقي بأنه في قلب الحدث وقادر على الغوص داخل مكنونات الشخصية وأسرارها. أما القصة الثانية، فجاءت تحت عنوان “عدالة السماء” فيتناول فيها الكاتب فكرة البحث عن العدالة من خلال تأكيده على أن الحياة ليست عادلة، لكنه في الوقت نفسه يبين أن الظلم مهما طغى وتجبر ففي آخر المطاف لا بد للعدل أن ينتصر عليه. اما القصة الثالثة، “النفس بالأخلاق تستقم”، فهذا العنوان مقتبس من نهج بردة وهي قصيدة الشاعر أحمد شوقي في هذه القصة تحديدا يطرح الكاتب قضية مهمة وهي ربط الأخلاق بالدين كما ويؤكد أيضا على حقيقة أن الدنيا زائلة وأن الانجرار وراء المال والشهرة على حساب الأخلاق حتما يجرد الشخص من إنسانيته ومبادئه. وعن طريقته في الكتابة يبين الكاتب أنه عمد في مجموعته هذه إلى اتباع أسلوب التنويع في طرحه للمواضيع حرصا منه أولا على إبقاء المتلقي في حالة انجذاب مستمرة للمادة الموضوعة بين يديه، وبالتالي يبعده عن شعور الملل والرتابة. وثانيا إظهار المشاكل والقضايا الجوهرية بوجهيها الإيجابي والسلبي، مشددا “على أننا لا نعيش في المدينة الفاضلة وأن الحياة فيها الأبيض كما فيها الأسود وفيها الفرح وكذلك الحزن وفيها أيضا القوي والضعيف الغني والفقير الظالم والمظلوم”. كما ويلفت الكاتب إلى أنه يستوحي أفكاره التي ينثرها في قصصه من مشاهداته اليومية ومن بيئته، إضافة إلى تجاربه الحياتية وتلك المناقشات التي يتبادل أطرافها مع بعض الأشخاص ممن يمتلكون الخبرة والفكر الواعي. ويوضح أن على الكاتب أن يتمكن من أدواته جيدا لينجح في تقديم مادة ثرية ومشوقة تحتوي على المشكلة وربما جزء من الحل وذلك من خلال تجربته وإطلاعه وأيضا احتكاكه المباشر بالناس. القراءة والمراقبة والقدرة على التحليل ورؤية القضية من زوايا مختلفة هي كلها مصادر مهمة بالنسبة للكاتب، كما يقول الجواودة، كما في القرب من الناس والذي يساعد كثيرا على قراءة ما بين السطور وتقديم العمل الأدبي بقالب واقعي يتلمس بدقة النقاط المضيئة وكذلك المظلمة داخل المجتمع. ويسعى الجواودة في كتاباته القادمة إلى تسليط الضوء على بعض المواضيع كالفرق بين الطبقات ومشكلة المحسوبية والواسطة بالإضافة إلى قضية البطالة ومدى خطورتها على المجتمع ككل والتمييز السلبي بين الأفراد. ويذكر بعض التحديات التي واجهته أثناء كتابته للمجموعة، لكن بالنسبة له يبقى الطموح هو سيد الموقف والشرارة المحفزة على الإبداع والوصول إلى حقيقة أن لا شيء يستحيل تحقيقه في حضرة الإصرار. لذلك، كان التركيز الأكبر على المضمون ومن ثم الشكل، مؤكدا أخيرا على ضرورة تسهيل الطريق أمام الكتاب ومنحهم مزيد من الدعم ليستطيعوا أن يخرجوا ما لديهم من إبداع وأفكار بمقدورها حل الكثير من المشكلات العالقة.

اقرأ المزيد:

اضافة اعلان