الجيش انتصر، اين القيادة السياسية

معاريف

بن كسبيت   16/5/2018

حين تبددت سحب الغاز المسيل للدموع ودخان اطارات السيارات المشتعلة، تبينت شدة انتصار الجيش الإسرائيلي على حماس. نحو 60 قتيلا، نحو صفر إنجازات والقليل جدا من الاهتمام العالمي. القطريون همسوا بشيء ما، اردوغان قدم مقطعه، هنا وهناك سمع اوروبيون قلقون، وهذا هو. هذا ما نجح يحيى السنوار واسماعيل هنية في جمعه في صالح ابناء شعبهما المنهكين. اضافة اعلان
باقي المهام اعترضت: لم يكن تسلل لإسرائيل، الجموع لم تنجح في الوصول إلى اي بلدة او موقع عسكري، لم يخدش اي جندي إسرائيلي، والاخوان من الضفة الغربية لم يهرعوا للمساعدة، العالم العربي يهز اكتافه، يطلق شجبا هزيلا ويواصل إلى الامام، وغزة تواصل المعاناة. حماس توجد في أسفل درك كل الازمنة. خياراتها انتهت، انجازاتها قليلة والافق أسود. لا يوجد إلى اين يمكن النزول. هنية، حسب خطة اقتحام الجدار، كان يفترض أن يخطب اليوم في ناحل عوز. وبالفعل، هذا لم يتحقق، وكم خير أن هكذا.
الان دور القيادة السياسية. ولكن لا تحبسوا أنفاسكم. في إسرائيل القيادة السياسية بشكل عام تكون لا مبالية في هذه اللحظات. انتصرنا، فاين الالحاح؟ ليس لدينا ثقافة نصر سخي. لا يبذل جهد لرؤية المولود ولاستخدام التفوق النسبي الحالي من أجل تحسين المستقبل. ليس سرا أنه لا توجد بين جهاز الامن والجيش الإسرائيلي خلافات في الرأي في المواضيع التكتيكية، ولكن توجد هوة في المجال الاستراتيجي. فطريقة عمل الجيش تحظى بالاسناد والاجماع من الحائط إلى الحائط وقد اثبتت نفسها.
اما الجمود السياسي بالمقابل فيعتبر في نظر قسم لا بأس به من المهنيين الأمنيين لدينا كمحمل بالمصيبة. لا، لا يوجد نقد صريح على القيادة السياسية، يوجد اعتراف واضح بحقها في رسم الطريق وفي توجيه الدفة. ولكن يخيل لي أن بين الصفوف، بلا كلمات وفي الغرف المغلقة، يوجد أيضا غير قليل من الاحباط.
يقولون في الجيش إن حماس في حرج وجودي. خطتها الاساس ("بلان ايه") عولت على المصالحة الفلسطينية، على وصول أبو مازن إلى غزة، على نقل عبء ادارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية وبداية دمج السيطرة في القطاع بين رام والله وحماس. إسرائيل، التي وافقت على السير في التيار مع هذه الخطوة، انقلبت في وسطها وعرقلتها. هذا السبب الذي جعل حماس تصل إلى "بلان بي"، والتي هي مسيرات العودة على الجدار، والتي تستهدف اقتحام الطريق المسدود بالدم، النار وعواميد الدخان. اما الآن، فقد تحطم هذا أيضا إلى شظايا.
هل توجد "بلان سي"؟ يبدو أنه لا. حماس تطلق كل انواع الاقتراحات في كل الاتجاهات. ومثلما سبق أن نشر، وصلت مؤخرا عدة اقتراحات لـ "وقف نار" بعيد المدى مع إسرائيل. هذا النوع او ذاك من الهدنة. إسرائيل تتجاهل. الامكانية الاخرى هي استئناف نار الصواريخ ومحاولة تنفيذ عملية قاسية عبر نفق، على افتراض أنه لا تزال هناك انفاق لذلك. يخيل لي ان حماس لم تعد تعول كثيرا على هذا الخيار. ما تبقى هو مواصلة اليأس إلى أن يأتي انفجار آخر، اسوأ وأصعب من سابقه، وهلمّ جرا.
التقديرات الحذرة لمحافل في الاستخبارات، صحيح حتى اليوم تتحدث عن أنه في ضوء الضائقة الحقيقية والدرك الاسفل غير المسبوق الذي وصلت اليه الحركة، سيكون ممكنا حمل حماس إلى اماكن لم توافق على الوصول اليها ابدا. فسيكون ممكنا مثلا استئناف مساعي المصالحة الفلسطينية، إنزال السلطة الفلسطينية إلى غزة وهذه المرة اشتمال بداية تقاسم القوة العسكرية أيضا. لا، حماس لن تنزع سلاحها طواعية. ولكن بالتأكيد يحتمل أن توافق على اقتسامه والا تحوز القوة العسكرية – السلطوية في غزة بحصرية. يمكن لهذا ان يكون تقدما تاريخيا في الطريق إلى تجفيف مستنقع الارهاب في القطاع في المرحلة التالية.
المشكلة هي أنه في القيادة السياسية في إسرائيل لا يؤمنون بهذا الطريق. سياسيون يخافون أكثر من قاعدتهم الانتخابية ومن الشبكات الاجتماعية المتحمسة، أكثر من حماسة الغزيين مرة كل سنتين، ثلاث سنوات على الجدران. هذا بالضبط هو الفرق بين زعماء يحاولون تخمين ارادة الشعب، وبين اولئك الذين يقودونه.
رغم الانتصار الواضح للجيش الإسرائيلي في الايام الاخيرة ورغم انعدام النفع في وضع حركة حماس، ورغم موازين القوى الواضحة، فإن الغزيين لا يذهبون إلى أي مكان. فكلما غرقوا أكثر في غياهب اليأس والضائقة، هكذا يكون لديهم اقل ليخسروه. أول أمس كان هناك 60 غزيا هاجموا على الجدار بعلم صريح انهم ينتحرون. نحن على ما يبدو نريد ان يكونوا في المرة التالية 600.