الجيش "يقاطع" الانتخابات النيابية

لولا الأخطاء الجسيمة التي ارتكبت في انتخابات سابقة، لما اضطرت قيادة القوات المسلحة الأردنية إلى إصدار بيان للرأي العام تؤكد فيه التزام جميع مرتبات القوات المسلحة بعدم المشاركة "بأي شكل من الأشكال في الانتخابات النيابية المقبلة". فقوانين الانتخاب في الأردن، منذ قيام الدولة، تمنع العسكريين من المشاركة في الانتخابات، ليبقى الجيش بعيدا عن لعبة السياسة وتجاذباتها.اضافة اعلان
لكن، وعلى نحو غير مسؤول وغير قانوني، قام مسؤولون سابقون بتوريط أفراد القوات المسلحة في لعبة الانتخابات النيابية والبلدية السابقة. كان هذا التصرف استخفافا شنيعا بدور القوات المسلحة، وتعديا على مكانتها المرموقة عند جميع الأردنيين. والمؤسف أن المسؤولين عن هذا التجاوز الخطير لم يحاسبوا على فعلتهم.
تحاول قيادة الجيش، وكما هو واضح من البيان الأخير، تجاوز أخطاء الماضي، والنأي بالمؤسسة العسكرية عن التدخل في الانتخابات أو توظيف أفرادها لخدمة مصالح سياسية ليست في نطاق اختصاصها.
الناطق الإعلامي العسكري، وفي خطوة غير مسبوقة، كشف عن سحب عدد محدود من البطاقات الانتخابية كانت قد صُرفت بالخطأ لمنتسبي القوات المسلحة. وعرض سلسلة من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها قيادة الجيش لحصر الأرقام الوطنية لمنتسبي القوات المسلحة، بالتنسيق مع دائرة الأحوال المدنية والجوازات، للتأكد من عدم حصولهم على بطاقات انتخابية، وتقديم شهادة خطية من جميع القادة والمديرين تثبت عدم وجود بطاقات انتخابية لمن تنطبق عليهم أحكام الفقرة "ج" من المادة 3 من قانون الانتخابات النيابية، والتي توقف استعمال حق الانتخاب لمنتسبي القوات المسلحة والمخابرات العامة والأمن العام وقوات الدرك والدفاع المدني أثناء وجودهم في الخدمة الفعلية.
في وقت مبكر، زودت قيادات الجيش والأجهزة الأمنية الهيئة المستقلة للانتخاب بكشوف تحوي أسماء منتسبي تلك الأجهزة لمطابقتها مع كشوف المسجلين في جداول الانتخابات، وضمان عدم وجود عسكريين بينهم. وفي وقت لاحق، قدمت هذه القيادات كشوفا بأسماء من جُندوا حديثا في الجيش والأجهزة الأمنية، لشطبهم من سجلات الناخبين.
لا تكمن قيمة مثل هذه الخطوات في تأكيد جدية الدولة بإجراء انتخابات نزيهة فحسب؛ وإنما أيضاً في محو الإساءة التي لحقت بدور القوات المسلحة جراء سلوك مستهتر لا يحترم حصانة ومكانة المؤسسة العسكرية.
أيا كان الموقف من الانتخابات وقانونها، فإننا لن نختلف، سواء كنا مع المشاركة أو المقاطعة، على الحاجة إلى إرساء قيم النزاهة في الانتخابات، لأن ما حصل من تزوير في انتخابات المجلسين النيابيين الخامس عشر والسادس عشر ضرب بعمق علاقة الدولة مع المجتمع، ودفع بقطاعات شعبية واسعة إلى العزوف عن المشاركة السياسية، والانتقال إلى معسكر السلبية والعدمية اللتين أدتا، في مرحلة لاحقة، إلى بروز نزعة راديكالية خطيرة في أوساط الأردنيين.
لم تتوقف الخسائر عند هذا الحد؛ إذ فقد الأردنيون الثقة بالمجالس النيابية، ولم تعد الأغلبية تشعر بأن مجلس النواب يمثلها بقدر ما يمثل مصالح الجهات التي "وزعت" عليهم المقاعد تحت القبة.
موقف قيادة الجيش الذي اتسم بالشفافية والوضوح، يعد مساهمة فعلية من جانب المؤسسة العسكرية في تنظيف سمعة الانتخابات. ونأمل من الجهات الرسمية كافة أن تسير على نفس الخطى، وتعلن مقاطعتها للانتخابات المقبلة تصويتا وترشيحا.

[email protected]