الجيل الأوّل وايدولوجيا الإدارة!

*ضُحى عبد الخالق

هُم رجال ونساء هاجروا من الحجاز واليمن وتركيا وسورية والعراق وروسيا وغيرها إلى الأردن. بالطريق ارتحل رجل قسرا من مدينة المدائن بفلسطين قبل أن يُتمم قُبوله الجامعي، وسيدة تركت على حين غفلة منزلا فارها لحين عودة قريبة. واُطلق على هذا الجيل أسماء كثيرة، الأوائل المُهاجرون، جيل النكبة، والضُيوف، والمُهجرون، واللاجئون، والأردنيون ما بعد وما قبل، وغير ذلك من التصنيفات التي لم تتطرق من زاوية التنمية البشرية، لتوصيف السمة الشخصية الخاصة بهم وأثرها على مُستقبلهم الاقتصادي ونسلهم. اضافة اعلان
لقد مرر أفراد هذا الجيل فكرة واضحة وهي أن التعليم سلاح بعد أن تبين بلحظة بأن العلم والعقل هما كل ما يتبقى. وهم جيل عملي "ميلانكولي" شق الصخر للتنافس فنهل من الثقافة العامة ومن الأدب كي يفهم حاله الخاص محولا بذلك جدلية الرحيل الى "ايدولوجيا" في العمل!، تلك تجلت عبر ابرازهم لمهارات فريدة بالإدارة وبالقدرة على العمل الطويل، وعلى التحشيد بشكل عام. ومن خصالهم الواضحة التمسُك بقيم بذاتها مثل الحرص على الاستدامة، والتخطيط للبقاء، ونقل السردية بالعمل توريثا للرؤية وتحقيقا للنصرين الشخصي والعام مرة واحدة هذا لأن في داخل كل واحد منهم جندي سابق وشجاع، وهو مُتأهب للحظة التحرير! قاموا بإنشاء مُؤسسات توظفت بها خصائصهم السُكانية خير توظيف من بعد ذكريات أليمة. وبمقدار عمق الشعور بذنب الخسارة، تحول كل الألم الى عمل مُستمر وكأنهم عبر التميز "ينتقمون من الآخر العدو"، بمُنافسة رجل حُر، له وعليه أن يُصحح مُعادلة سابقة ظالمة (وهي من التصريحات الشهيرة لرجل الأعمال طلال أبو غزالة). ولقد شاءت الفرص أن اتقاطع والتقي بعدد من أفراد هذا الجيل من رجال أعمال واقتصاديين في قطاعات التأمين والبنوك والإدارة العامة، وكلهم بلا استثناء مُشتركون بهذه الصفات. وبشهادات حية تميزوا بمشاعر العرفان للصديق ولينعكس بشكل عام على عطاءهم المُجتمعي وبالتبرعات. في الصدر قلب تكون من أربع حُجرات ثلاث منها للعمل ورابعة مُغلقة لم تتوقف عن إذكاء نار التوق للانتقام من شيء ما، لإنجاز شيء ما، أو لإصلاح حال ما! وهي سمة شخصية مُتكررة لدى الأقليات الدينية أو المُرتحلة (من مثل عمال مدينة نيويورك والمُهاجرين من أوروبا الى العالم الجديد أثر الحرب العالمية الثانية). ولأنهم متساوون بذات مرجعية الذاكرة وبالألم، تشكل حسا ليبيراليا هذا بعد تقدير واف للسريالية المُختبئة في شؤون الحياة وشجونها! ما انعكس بالاقتصاد والثقافة وبتقدير الفنون وعلى خياراتهم الحُرة بشكل عام.
واليوم وعلى اعتاب الجيل الخامس، ومن دون تلك النار الحارقة التي أكلت دواخيل الجيل الأول والتي شكلت لهم مصدر إلهام وشعلة وكانت السبب للتميز، نجدُ أيضا شغفا، ولكنه من نوع آخر لقوى عاملة بسرديات ضيقة وبمرجعيات الفرق والنُدرة والفُرصة ونظرية المُؤامرة بالإدارة تعلو. أفرادا يرون ذواتهم أسيرة الأقفاص الزجاجية وبلا ايدولوجيا، فيعتقدون بأنهم بذلك يتشابكون بأيدولوجيا الإدارة الخاوية وأن هذا هو جهادهم الأكبر بالحياة وبالعمل. وما لم يتم اليوم أنسنة مفهوم الإدارة العامة بالمرجعيات المُلهمة، فستعمل الإدارات لدينا مع "الروبوتات" وعدد من الرجال الغاضبين.