الحباشنة وأسئلته التي تستحق النقاش

"نحن أضعفنا المُختار وشيخ العشيرة دون أنْ نجد البديل. وهناك فراغ قيادي في مناطقنا على اختلافها". بهذه الكلمات قارب وزير الداخلية الأسبق، السيد سمير الحباشنة مسألة العنف الاجتماعي في الأردن. الحباشنة، الذي كان يتحدث في حوار مع صحيفة "البيان" الإماراتية (1/5/2010) تطرق إلى أن ثمة ثلاثة ملفات أردنية ملحّة أمامنا وهي الموضوع الفلسطيني والتعنتْ الإسرائيلي تجاه السلام والتهديد الإسرائيلي للدولة الأردنية عبر إشهار موضوع الترانسفير على الأردن. والملف الثاني هو الموضوع الاقتصادي وهو يقوم على الإجابة عن أسئلة عدة: كيف لنا أنْ نشتق رؤية اقتصادية خاصة في الأردن بأبعاد اجتماعية تخدم الدولة من دون أنْ تنسى حقوق الفئات الأكثر عوزا؟ وكيف نشجّع الاستثمار ونطلق آليات السوق ونمنع الاحتكار في الوقت نفسه؟. كيف نوظّف ما يقوله الدستور بأن الضرائب ترتيبها تصاعدي لمصلحة إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى التي صرنا نتساءل أين ذهبت تحت مذبح غلاء الأسعار؟. أما الملف الثالث فهو العنف الجامعي والاجتماعي الذي أصبح ظاهرة تحتاج إلى وقفة وطنية.

يُفترض بالضغوط الاقتصادية أنْ تُقرّب بين الأردنيين، ويُفترض بالتحديات الداخلية والإقليمية أنْ تفتح أمامهم أبواب نقاش أحوالهم بكل صراحة وجرأة وفضاء مفتوح، لأنّ جوهر قوتنا كان دوما وعبر تاريخ الدولة الأردنية في تنوعنا وتعدد ألواننا التي تشكّل في النهاية نسيجنا الوطني، الذي يقيم وحدتنا وتماسكنا ويصوغ أولوياتنا تحت قاعدة الوسطية والاعتدال السياسييْن، والتنوع وحرية الرأي والبعد عن الإكراهات السياسية. وليس مطروحا أمام الأردنيين بأنْ يرجعوا إلى الوراء، فهذا ليس خيارا أبدا، ولا مجال لديهم سوى التقدم إلى الأمام.

ثبتَ خلال العقدين الأخيرين، على أقل تقدير، أنّ الأردنيين والفلسطينيين أكثر المتضررين من غياب العمل العربي المشترك، ومن افتقاد الدول العربية لـ"استراتيجية الحد الأدنى" من الاتفاق على مصالحها والرؤية الموحدة تجاه التحديات الإقليمية والدولية. من هنا الحاجة الملحة لنقاش وطني أردني واسع لترتيب أولوياتنا، والإيمان بأن مثل هذا الحوار الوطني الشفاف والمسؤول هو وحده ما سيحوّل التحديات أمامنا إلى فرص جديدة لتطوير الأداء وصون المكتسبات ومعالجة إشكالات التنمية ومحاصرة الفساد.

الحباشنة لا يقف في مقاربته للموضوع الفلسطيني من وجهة النظر الأردنية عند حدود أزمة عملية السلام والتهديد الإسرائيلي للأردن بالترانسفير، بل يطرح مجموعة من الرؤى والأسئلة المهمة التي تستحق مزيدا من النقاش منها: هل الدبلوماسية الأردنية مقصّرة في التعاطي مع جناح مهمّ من أجنحة العمل الفلسطيني وهي حركة "حماس"؟ وماذا عمّا يقوله البعض إن جزءا من شروخات العمل العربي المشترك يعبّر عن شق منه في استثناء "حماس" من الدبلوماسية الأردنية؟ هل هناك فراغ في هذا العمل لأنّ الأردن لا يأخذ دوره بالكامل تجاه القضية الفلسطينية وتجاه المصالحة الفلسطينية؟. أليس الشقيق التوأم الذي يعرف تفاصيل المشهد الفلسطيني أكثر من أي طرف عربي هو الأردن؟. ويتابع الحباشنة أسئلته بالقول: كيف نطالب إخواننا الفلسطينيين بالتوحد ونحن نقطع الاتصال برقم صعب في المعادلة الفلسطينية، أي "حماس"؟. إن للإخوة المصريين موقفا من "حماس" أكثر صعوبة من موقفنا في الأردن، الذي فيه القضية الفلسطينية قضية داخلية، ما يتوجب علينا، يضيف الحباشنة، أنْ يكون لدينا مسافة واحدة وانفتاح معقول مع كل المعادلة الفلسطينية.

اضافة اعلان

أسئلة السيد الحباشنة تنطلق من الهواجس الكبيرة التي باتت تلوح لنا بالأفق جرّاء افتقاد العرب، كما يقول، لمكانتهم في إقليمهم، فلم يعودوا لاعبين في ملعبهم، بل أصبحوا يقدّمون الملعب "الجغرافيا" لدول غير عربية تسيطر على المنطقة مثل إيران وتركيا والولايات المتحدة، وكذلك إسرائيل التي فرضت أجندتها، حتى لم يعد للعرب أمام هذا المشهد من غيابهم عن جغرافيتهم، ما يقدمونه للصراع مع إسرائيل في هذه الفترة.