الحبس لمن يفشل بالانتحار!

سائد كراجة اقر مجلس النواب مؤخرا قانونا يجرم محاولة الانتحار في الأردن، ويعاقب عليها بالحبس أو الغرامة أو كليهما، ورغم أن الانتحار لا يعد ظاهرة منتشرة في المجتمع الأردني، إلا أن الثابت أن نسبة محاولات الانتحار ازدادت في السنوات الثلاث الأخيرة الى مستويات غير مسبوقة، بزيادة وصلت احيانا 50 %، طبعا الشكر لكورونا التي لم نستوعب بعد حجم إصاباتها النفسية التي لحقت بنا، والتي نعلمها ولا نعلمها، واعتقد أن البشر عموما مروا بطفرة نفسية لا نعلم بعد ابعادها. منظمة متحدون من أجل الصحة النفسية في دراسة منشورة لها أشارت أن هناك 20 دولة تصنف الانتحار كجريمة، وتعاقب عليه بالحبس أو الغرامة وتصل عقوبة الحبس في بعضها – الصومال مثلا- الى 5 سنوات، ومن بين الدول التي تجرم الانتحار بحسب الدراسة، كانت “غانا، بنجلاديش، مالاوي، بروناي، باكستان، نيجيريا، ماينمار، ماليزيا، الصومال، بابوا غينيا الجديدة، سانت لوسيا، السودان، تنزانيا، أوغندا، جنوب السودان، تونجا”، ولا نجد بينها السويد مثلا المشهورة بارتفاع حالات الانتحار. والحقيقة انه لا توجد دراسات تبين أثر تجريم حالات محاولة الانتحار على الحد منه، ولكن فرض عقوبة في الأردن على محاولة الانتحار يعيدنا الى عملية التشريع عندنا من حيث الأسباب الموجبة التي توضع في مقدمة اي مشروع قانون ـ واحيانا على عجل ودون تمحيص ـ ومن حيث الجهد العلمي الذي يصاحب التشريع ويبحث عن الحاجة له وفاعلية القانون للتصدي للقضية موضع التشريع. من العدل القول ان الحكومات بدعم من ديوان التشريع والرأي، تقدم مشاريع قوانين مدروسة نوعا ما، وغالبا ما تكون من الناحية التقنية القانونية البحتة على المستوى المطلوب، ولكن عملية التشريع في مجلس الأمة وخاصة النواب لم ترتق بعد إلى ما يجب ان تكون عليه، ومع الجهد المتميز للجان كافة وخاصة اللجنة القانونية، فان النائب ليس لديه أي دعم فعلي في دراسة القانون والنص التشريعي، واثره من النواحي الاجتماعية والاقتصادية، ورغم وجود كادر في مجلس النواب من “الباحثين والدارسين” إلا أن القانون ما يزال يخضع في شكله الأخير لاجتهادات النواب وخبراتهم الشخصية، بعيدا عن ما يحتاجه مثل هذا القانون من رأي الخبراء والمختصين. القانون الذي اقره النواب بتجريم محاولة الانتحار، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 6 أشهر وبغرامة لا تزيد على 100 دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين وذلك لكل من شرع في الانتحار في مكان عام، وتضاعف العقوبة إذا كان ذلك باتفاق جماعي. في تشريع هذا النص إشارة واضحة إلى أن أسباب الاقدام على الانتحار لم تدرس على نحو علمي ومن قبل مختصين نفسيين، وهم الذين يقولون إن 90 % من حالات الانتحار تكون لأشخاص مشخصين بأمراض نفسية، فانظر ما أنت فاعل في حبس مثل هذا الشخص؟! لا بل وفي تغريمه لانه فشل في الانتحار، نعرف ان القانون الأردني نص وأعطى القاضي الحق في عقوبات بديلة، ولكن محاولة الانتحار يجب أن تعامل باجراء واحد وحيد وهو وضع الشخص في مؤسسات علاج نفسي، الأمر الذي يطرح ايضا وجود مثل هذه المؤسسات وجاهزيتها في القطاع العام والقطاع التطوعي. نأمل أن يراجع مجلس النواب وكذلك مجلس الأعيان النص وان يفرض إجراءات علاجية، بدلا من ايقاع الحبس والغرامة، حتى لا يرسل النص رسالة تقول اذا فشلت بالانتحار سوف نعاقبك بالحبس أو بالغرامة أو بكليهما، كثير صعبة جنابك!! المقال السابق للكاتب للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان