"الحرائق الإسرائيلية لمزارعنا".. تقصير أم تواطؤ؟

منذ 12 عاماً خلت وتحت عنوان «سذاجة أم تقصير؟» كتبت مقالاً نشرته صحيفة «الغد» آنذاك حذرتُ فيه من «السذاجة» بالنظر إلى حدث حرق الأشجار في منطقة الأغوار الأردنية على الحدود الأردنية الفلسطينية من قبل العدو الصهيوني بمعزل عن حوادث الحرق الممنهجة والمتعمدة لأشجار الوادي الأردني، والتي تحدث بشكل سنوي. قلت حينها، من السذاجة ألا يُستنتج أن هناك خطة مبيتة للقضاء على الزراعة على كامل الحدود الأردنية على ضفة النهر عبر وسائل شيطانية متعددة، وشدّدتُ على أنه لا يمكن أن نرى هذه الجريمة كحادث عرضي أو معزول عن إستراتيجية موجهة ضد المزارعين في وادي الأردن بشكل خاص، وضد الأردن بشكل عام. وتوالت الحرائق المفتعلة سنوياً بعدها حتى جاء يوم الثلاثاء الماضي 1/6/2021 لنفجع بحرائق كبيرة مفتعلة أيضاً من قبل الاحتلال الإسرائيلي تلتهم مئات الدونمات على امتداد الأراضي الملاصقة للشريط الحدودي الشمالي مع فلسطين المحتلة لتحرق أخصب أراضي الأردن، وتحيل أصحابها الذين أفنوا حياتهم في رعاية محاصيلهم إلى نقطة الصفر، في مشهد غارق في المأساة. إن الإستراتيجية الإسرائيلية واضحة نحو وادي الأردن، فهي تريد تهجير المزارعين على طول الحدود، وأن تتدخل في كيفية التعامل مع هذه المنطقة من الجانب الأردني، وتطمح بأن تكون شريكة في استغلاله بالطريقة التي يراها الاحتلال مناسبة لمصالحه، ولقد سبق وتحدثنا في السنوات الماضية وفي عدة منابر حول حرق الأشجار المتكرر والمتعمد في وادي الأردن (ويمكن العودة لهذا في كشوف وزارة الزراعة)، ولم يكن لصرخاتنا -مع الأسف- أي صدى. ثم جاءت صفقة القرن لتؤكد ما حذرنا منه، فمن الواضح أن «إسرائيل» مستمرة في عزل المزارعين الفلسطينيين في غرب النهر عن إخوتهم في شرقه عبر بناء شريط مستوطنات ينمو بسرعة هائلة، ويبدو هذا واضحاً من خلال المصادرة الممنهجة للأراضي، والتي ستشكل جداراً بشرياً استيطانياً يفصل شرقي وادي الأردن عن بقايا الضفة الغربية الممزقة بجدار الفصل العنصري، كما أن التدمير الإسرائيلي المتواصل للمناطق الزراعية المحيطة بمدينة القدس أتاح المجال أمام الكيان السرطاني لتوسعة المستعمرات، وبالتالي عزل شمال الضفة عن جنوبها وعزل القدس الشرقية عن محيطها الحيوي. في الواقع، نحن نحتاج إلى هبة حقيقية مستعجلة محلية وإقليمية ودولية للذود عن أراضينا ومزارعينا وأشجارنا في الأردن أيضاً، ونتمنى أن تكون مواجهتنا مرتبطة بدراسة السياسات والمخططات الإسرائيلية الماضية واللاحقة نحو وادي الأردن، وعدم الاكتفاء فقط بطلب التعويضات، ونتساءل.. لو هبّ الأردن وأظهر استياءه الشديد من الحرائق الاولى، ورفع قضايا قانونية للدفاع عن شعبه ومصالحه، هل كنا سنشهد هذه الاستباحة لأراضينا وهذا الكم الهائل من الحرائق الجديدة؟.. ثمة مبادرات محلية، مثل ما قمنا به في المنظمة العربية لحماية الطبيعة بصفتها مجتمع مدني حي، حين بادرت إلى لفت الأنظار إلى حجم الفاجعة الأخيرة، وبثت استغاثات المزارعين، بل وأقامت حملة ما تزال مستمرة لتعويض المزارعين المتضررين عن بعض خساراتهم، وهذا جهد بلا شك مطلوب ومهم، لكن المسألة كبيرة وتحتاج إلى خطط عملية وحل جذري على مستوى الدولة المسؤولة عن حماية شعبنا. وعلى نحو عاجل، وكحل مرحلي.. على الحكومة الأردنية رفع ملف «حرائق الأغوار» إلى المستوى الدولي، والتعويض الفوري من صندوق المخاطر لجميع المزارعين المتضررين، ووضع استراتيجية عملية بالتعاون مع المجتمع المدني لمنع تكرار هذه الجرائم. خلاصة الأمر، وبعد كل ما قيل هل يقودنا المنطق والتجربة والمصلحة الوطنية وحرصنا على السيادة على مواردنا وغذائنا إلى استشراف الكابوس الذي يتمناه لنا الصهاينة ألا وهو أن تخلو مزارع غور الأردن وهي سلة الغذاء الأردني من أي إنتاج، ليزيد اتكالنا على الاستيراد ولكي يصبح الوادي - لا سمح الله- يوماً ما مشاعاً لمزيد من الاستيطان؟اضافة اعلان