الحرب على "داعش" والحلقة المفقودة

تبدو الحرب التي تشنها الحكومة العراقية، بدعم من التحالف الدولي، ضد تنظيم "داعش" في العراق، صعبة جدا حيث التخبط سيد الموقف، والاعتماد أساسا في الحرب على الجانب العسكري، فيما لم يسجل أي تقدم جوهري على الجانب السياسي للأزمة في هذا البلد، بما يمكن من تعزيز الجهد العسكري بمواجهة "داعش" ودحره.اضافة اعلان
فرغم تحقيق اختراقات عراقية في الحرب على "داعش" في تكريت وغيرها، فإن هذا التنظيم، ومع كل ما تعرضت له مواقعه من قصف جوي خلال حملة التحالف الدولي، ما يزال قادرا على تحقيق اختراقات مهمة في غير مكان، كما جرى معه أول من أمس في معبر الطريبيل الحدودي مع الأردن، إضافة إلى سيطرته على منطقة ناظم الثرثار الاستراتيجية، وتكبيد الجيش العراقي خسائر كبيرة في الأرواح.
قد يكون الأخطر على هذا الصعيد ما تخرج به بعض التحليلات والقراءات لساحة المعركة في العراق، وتوقع اجتياح "داعش" لمدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، والتي يضيق التنظيم خناقه عليها.
"داعش" كان خسر العديد من المناطق التي سيطر عليها العام الماضي، في محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين، لكنه ما يزال يسيطر على أغلب مدن ومناطق الأنبار، ويسعى إلى استكمال سيطرته على باقي المناطق، وأبرزها الرمادي.
كل ذلك يجري فيما لم تأت بعد معركة الموصل، التي تعد أهم معاقل "داعش" في العراق، والتي يتوقع لها أن تكون معركة قاسية وطويلة، ودونها تضحيات واسعة متوقعة.
الراهن، أن معركة القضاء على "داعش" في العراق هي أكبر بكثير من حرب عسكرية، وتسيير جيوش وطائرات، فالحرب والنصر فيها لا يكتملان إلا بالانتصار السياسي، أي بحل جذور الأزمة العراقية السياسية والوطنية الداخلية، وبتجفيف منابع وعوامل تشكل البيئة الحاضنة لتنظيم "داعش" وأخواته، وعزل هذا التنظيم عن محيطه من مناصرين، أو محايدين، أو ناقمين على الطرف الآخر المقابل له. وذلك لا يتأتى إلا بإعادة هيكلة العملية السياسية، ووقف مسلسل الإقصاء للمكون السُنّي العراقي، والتقدم خطوات حقيقية وثورية في ملف المصالحة الوطنية.
ما الذي تحقق على الصعيد السياسي والوطني، منذ تسلم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لزمام السلطة بعد سيطرة "داعش" على مناطق شاسعة من العراق، وحتى اليوم؟! 
نظريا، ثمة خطاب تصالحي وتطميني للمكون السُنّي، وخطوات خجولة على الأرض، تقابلها مراوحة وعدم تقدم في ملفات سياسية جوهرية، وأيضا تقديم نموذج سلبي وسيئ لتجربة تحرير مدينة تكريت وبعض المناطق من أيدي "داعش"، وذلك من خلال جملة انتهاكات صارخة لقوات "الحشد الشعبي" وبعض التنظيمات الموالية للحكومة، ما يترك سكان المناطق التي يسيطر عليها "داعش" بين خيارين أحلاهما مر؛ فإما البقاء تحت رحمة هذا التنظيم، أو فتح الباب لتنظيمات متطرفة ومتعصبة أخرى، من "الحشد الشعبي"، للسيطرة والتحكم برقاب عراقيي هذه المناطق.
حكومة العبادي تحاول مؤخرا، كما يظهر للمتابع، الحد من مشاركة "الحشد الشعبي" في بعض المناطق، لتجنب إثارة مخاوف سكان المناطق "السُنّية" وكسب تأييدهم للحرب على "داعش". لكن هذه الخطوات والمحاولات من العبادي لم ترتق إلى مرحلة تحقيق اختراقات سياسية حقيقية تجاه المكون السُنّي وأبناء عشائر غرب العراق، وبما يمكنه من توحيد الجبهة الوطنية في الحرب على "داعش".
النصر على "داعش" في العراق يحتاج، أولا، لجبهة وطنية متماسكة بالحد الأدنى.