الخيارات الصعبة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: ثالوث القوة، المساعدات، والسلام (2-1)
ونحن نعطي محاولة النهب والابتزاز اسما نقدسه: "الفتح". ثم ننشر أدب الفتح والغزو ونحوله إلى صنم. إننا نبني ثقافتنا على الحرب، وتعليمنا، وقيمنا، ومدارسنا، ومتاحفنا، وأفلامنا، ومسلسلاتنا، وقصائدنا، ومنحوتاتنا، والأسماء التي نطلقها على أطفالنا، وينبع اختيارنا لأولئك الذين نختارهم كأسلاف مجيدين دائمًا من هذا الفهم. إن تفضيلاتنا ومراجعنا دائماً ما تكون مع الأحداث والأشخاص والقيم المرتبطة بالحرب. ويغذي هذا الوضع فهمًا معينًا: السلام في الكلمات، والحرب في الممارسة. نحن دائما نتحدث عن السلام ونريد السلام. سوى أن لدينا بعض الخطوط الحمراء: أنهم، "الآخرون" لن يطمعوا في أرضنا، ولن يرغبوا في تغيير حدودنا، ولن يلمسوا مواطنينا في أي مكان في العالم، ولن يتدخلوا في إخواننا في الدين، ولن يتدخلوا في شؤوننا الداخلية، ولن يتدخلوا مع أولئك الذين يعيشون بيننا، ولن يفكروا في دعمهم، ولن يقيدوا حرياتنا وحقوقنا، ولن يهينوا علَمنا، ولن يمسّوا أشياء أخرى كثيرة. على سبيل المثال، لن يهينوا شيوخنا، والأشياء التي نعزها، والمعاني التي نقدرها، ورموزنا. لن يحاول أحد تهديدنا غدًا، حتى لو كنا خارج حدودنا، وسوف يحترمون تصوراتنا لهذه المسألة، سوف يتعاملون مع الرهاب الذي يصيبنا بفهم، ولن يقلقوا بشأن أخطائنا البسيطة وسيظهرون تفهمًا؛ وفي الأثناء، لن يعترضوا على تدخلنا في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وسيأخذ جيراننا "نصيحتنا" على محمل الجد، وسيحبون ماضينا. سوف يقبلون بأن أسلافنا كانوا متسامحين وعادلين، ولن يقولوا أي شيء مختلف عنهم؛ لن يتحدُّونا، ولن يستخدموا الكلمات التي نعتبرها تحديًا، والتي تفسد معنوياتنا ومزاجنا. هذه هي الخطوط الحمراء الأولى التي تتبادر إلى الذهن. وفي حالة انتهاك هذه الخطوط، يحق لنا أيضًا "الدفاع" عن أنفسنا. ومن دون ذلك، لا توجد مشكلة وسيكون هناك سلام. عندما نكتب هذه الخطوط الحمراء واحدة تحت الأخرى، تصبح الورقة البيضاء حمراء بالدم. ومع ذلك، هناك موقف لا نريد قبوله، أو لا نرغب في رؤيته: أن السلام له ثمن بقدر الحرب. من لا يلجأ إلى الحرب، لا يستطيع تحقيق بعض الأشياء، ويخاطر بخسارة بعض الأشياء. وهذا ما لا يتحدث عنه مؤيدو السلام: إنهم لا يقولون أبدا ما هم على استعداد لخسارته -وليس كسبه- من أجل السلام. إنهم يضعون قائمة بخطوطهم الحمراء. لكننا لا نعرف أبدًا خطوطهم الخضراء. لأنه لا يوجد منها شيء. حتى أن هناك محرمات وضعت في هذا الصدد. على سبيل المثال، يتم التعبير عن الخطوط الحمراء بعبارات مثل القضية الوطنية، والمصلحة الفضلى للبلاد، وبقاء الدولة، والمصلحة الوطنية، ولا يتم ذكر الخطوط الخضراء. في الواقع، الكلمات المؤيدة للسلام هي إجراء لخداع كل الذين حولنا، وأنفسنا أيضاً. بالنظر إلى الخطوط الحمراء المذكورة، دعونا نطرح السؤال الآتي: كم من هذه الخطوط الحمراء يمكننا التخلي عنها حتى لا تكون هناك حرب ويكون هناك سلام؟ أو فلنطرح السؤال بطريقة أخرى: بماذا سنضحي من أجل السلام؟ هناك محرمات في الدول القومية تمنع طرح هذا السؤال؛ وكلنا نعرف ما: مصلحة البلد، بقاء الدولة، المصلحة الوطنية، إلخ. لماذا يجتمع الناس من مختلف الأديان والأعراق من حين لآخر ويناقشون مسألة "السلام"؟ لأننا نعلم جميعًا أن الحروب الحديثة (أي في القرون الأخيرة) تحدث بين أشخاص من ديانات مختلفة وأعراق (جنسيات) مختلفة. والحروب المعنية اليوم هي على الأغلب قومية وعرقية. للحديث عن السلام، يجب مناقشة ماهية الجنسية. وإلى أن تتم معالجة المثل العليا والمبادئ والمعتقدات والمحرمات -وبالطبع الخطوط الحمراء- للدول القومية وفحصها وفهمها، سيظل البحث عن السلام متعلقاً بالأشواق الدينية التي تم التعبير عنها منذ آلاف السنين. من الناحية النظرية، ينبغي القيام بذلك. ولكن من أين نبدأ من أجل إصلاح هذه الأشياء وتطبيعها في الممارسة العملية؟ ربما من الأطفال، على ما أعتقد. على سبيل المثال، إذا لم نسمهم بأسماء وألقاب دموية: حرب، غزوة، سهم، وغيرها من الأسماء والألقاب المثيرة عرقيا. إذا عبر هؤلاء الأطفال الجسور التي تحمل أسماء سلاطين لم يقاتلوا أبدًا في التاريخ؛ وإذا تجولوا في شوارع مسماة باسماء العابدين والمثقفين الذين لا يرون الإنسان عدوا، وإذا كانت أسماء المدارس التي يذهبون إليها تذكِّر بالفنانين والرياضيين والأشخاص الذين اشتهروا في مجال الفكر... فإن مراجعنا وقيمنا ربما تتغير. وإلا نكون قد فقدنا معنى السلام بعد أن فقدنا السلام. إننا نتوق إلى السلام لدرجة أننا حريصون على الركض إلى الحرب على الطريق! ومع ذلك، يجب أن نتعلم التخلي عن أشياء كثيرة من أجل السلام. *كاتب تركي. اقرأ المزيد من ترجمات حنان عشراوي: بين إرث ترامب ونهج بايدن.. ما الذي تغير؟ (1 – 3) حنان عشراوي: بين إرث ترامب ونهج بايدن.. ما الذي تغير؟ (2 – 3) حنان عشراوي: بين إرث ترامب ونهج بايدن.. ما الذي تغير؟ (3-3)