الحرب‏

رجل يتفقد حطام دبابة روسية مدمرة على بعد 40 كليومتراً من كييف - (أرشيفية)
رجل يتفقد حطام دبابة روسية مدمرة على بعد 40 كليومتراً من كييف - (أرشيفية)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة ‏جورج فريدمان*‏ - (جيوبوليتيكال فيوتشرز) 13/9/2022 ‏‏ خلال الحرب العالمية الثانية، لم يكن المرء في حاجة إلى أن يقول أكثر من كلمة "الحرب" ليعرف الآخرون مباشرة ما الذي يتحدث عنه. وقد وصلنا الآن إلى النقطة نفسها مع الحرب الروسية الأوكرانية. ولم يكن هذا ما توقع الروس حدوثه. لقد توقعوا أن تنتهي الحرب بسرعة لأنهم اعتبروا جيشهم متفوقًا بشكل واضح على ما سيضعه الأوكرانيون أمامه في الميدان. ثمة القليل من الدول التي تبدأ حربًا وهي تفترض أنها ستخسر. في العادة، تبدأ الدول الحروب بالتوقعات نفسها: أن تضرِب بشدة، وأن تكون قد عادت إلى البيت للاحتفال بعيد الميلاد. لكن تاريخ العالم مليء بقصص الجيوش العظيمة والمحاربين الذين يخوضون معارك طويلة ويائسة. وتاريخ الحرب مليء بالأمثلة على الثقة التي تصطدم بالواقع.‏ ليس من الواضح على الإطلاق ما ستكون عليه النتيجة النهائية للحرب في أوكرانيا. انتهى الهجوم الروسي الأولي إلى الفشل، ليس بسبب القوات الأوكرانية، مهما كانت الشجاعة التي ربما انطوت عليها، بقدر ما كان ذلك بسبب استراتيجية روسية ضعيفة التطوير، أفضت إلى نقص الإمدادات وإخفاقات القيادة. وقد أعاد الروس تجميع صفوفهم، وركزوا على هجمات أكثر تواضعًا بأمل أن يتمكنوا بمرور الوقت من كسر القوات الأوكرانية واحتلال، إن لم يكن كل أوكرانيا، فمساحة كبيرة منها على الأقل. لكن الأوكرانيين لم ينكسروا. صحيح أن الحروب تُخاض بالجنود، لكنها تُخاض أيضًا بالأسلحة والاستخبارات. وسوف يفشل، حتى الجنود الشجعان، من دون توفر هذه المواد وغيرها. وهذا هو المكان الذي عانى فيه الروس من فشلهم الاستخباراتي الخاص. كانوا يعرفون أن لدى الولايات المتحدة القدرة على نشر أسلحة عالمية المستوى في أوكرانيا، لكنهم اعتقدوا أن هذا النشر سوف يستغرق وقتًا. ولذلك كان لا بد أن تكون هذه حربًا قصيرة حقاً، وعندما فشلوا في تحقيق نصر سريع، كان الأوكرانيون قد سُلحوا بمجموعة غير عادية من أحدث الأسلحة التي تم تسليمها لهم بأنواع وكميات متزايدة، مع التعويض السريع للخسائر. اشترت الولايات المتحدة الوقت للجيش الأوكراني ليتطور من قوة المشاة الخفيفة التي بدأت الحرب إلى جيش يشبه، من نواح كثيرة، قوة عظمى. وأجبرت الأنظمة المضادة للطيران الروس على توخي الحذر، وجعلتهم الأنظمة المضادة للدروع يركزون على نشر المشاة، وعنت المدفعية الأميركية إمكانية أن يفوز الأوكرانيون بمبارزات المدفعية. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مناسبات عدة إن الحرب ليست ضد أوكرانيا، بل ضد الولايات المتحدة. وكان بالمعنى الواقعي على حق، على الرغم من أنه كان يقصد من ذلك أن يكون دعاية فحسب. كل هذا صحيح، ومضلل، على حد سواء. إن الحرب لم تنته بعد، وأوكرانيا لم تنتصر، على الرغم من أن التقدم الأخير الذي أحرزته كان كبيراً. لم يكن أحد ليصدق أن أوكرانيا قادرة على النجاة من الهجوم الروسي في الأشهر الأولى. لكنها فعلت. وقد أعاد الروس تنظيم هيكل قيادتهم، واستخدموا دروعًا متفوقة وفرضوا انضباطًا قاسيًا على قواتهم. وقد دفعوا ثمنا باهظا، لكنهم أعادوا، بمرور الوقت، تعريف الحرب.‏ والآن، يجب عليهم أن يستعيدوا توازنهم. إنهم، من ناحية، في حالة أفضل بكثير مما كانوا عليه في العام 1941. والهزيمة الصريحة بعيدة كل البعد عن أن تكون مرجحة، ويمكنهم اختيار الوقت والمكان للهجوم من قائمة كبيرة من الخيارات. لكنهم، من ناحية أخرى، في حالة أسوأ بكثير. إنهم ليسوا في صراع حياة أو موت ضد عدو وحشي. والقوات لا تدافع عن الزوجات والآباء والآبناء من مصائر قبيحة لا توصف. والجنود ليسوا تواقين إلى لقاء مصارعهم. لكن من الممكن في بعض الأحيان أن يدمر القتال من أجل غايات ليست شخصية للجنود جيشاً. لن يكون إلقاؤهم بنادقهم في هذه الحالات عاراً أو تنكراً لعائلاتهم.‏ ومع ذلك، يقاتل الروس مع وضع كل هذا في الاعتبار. إنهم لا يقاتلون ببساطة لتأجيل شيء حتمي، لأنه كلما طال أمد الحرب، زاد الثمن الذي يدفعه القادة. ولا يستطيع بوتين أن يتحمل خسارة هذه الحرب، ولا أن يتحملها العديد من الآخرين الذين ساعدوا على التخطيط لها. ولذلك، قبل الاحتفال، يتعين على الأوكرانيين والأميركيين أن يحسبوا خطوتهم التالية -من دون افتراض أن خطوة روسيا التالية ستكون الانهيار أو الاستسلام، وكلاهما غير مرجح.‏ ثمة شيء قد يعول عليه الروس هو قدوم شتاء بارد جدًا في أوروبا، قد يؤدي إلى استسلام أوروبي. لكن هذا لا يهم كثيراً في هذه المرحلة من الحرب. إن دعم أوروبا لأوكرانيا مشجع، لكن له الحد الأدنى من المعنى العسكري. لن تتوقف الولايات المتحدة وأوكرانيا عن القتال لإبقاء أوروبا في الحرب.‏ وهناك استراتيجية أخرى قد يحاولها الروس، هي طلب المساعدة من الصين. لكنهم متحالفون مسبقاً مع الصين، ولم تتخذ الصين أي خطوة للمساعدة. ولا تستطيع الصين أن تدعم سوى بمقدار صغير في أوكرانيا، والذي سيتعين عليها توفيره بسبب المحدوديات الروسية. كما أن الصين على دراية أيضًا بالحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة ضد روسيا، وبالنظر إلى وضعها الاقتصادي الخاص، فإن الصين لا تريد أن تواجه ذلك.‏ قد تكون الاستراتيجية الثالثة هي التفاوض على السلام. لكن الروس لا يستطيعون العودة إلى الحدود الروسية بلا شيء ليعرضوه سوى الجنود القتلى. ولن يتنازل الأوكرانيون عن جزء من بلدهم، معتبرين أي تسوية ستكون مؤقتة. وسوف يُعد التفاوض على أي من الجانبين الآن استسلامًا.‏ الاستراتيجية الرابعة هي الوحيدة التي تبدو أقرب إلى احتمال حقيقي. يجب أن يهزم أحد الجانبين الآخر. لا يستطيع أي من الطرفين تحمل تكلفة الفشل في مثل هذا الهجوم. الميزة الروسية هي القوى العاملة. وهناك تقارير من مصادر متعددة، بما فيها مصادر أميركية، تتحدث عن أعداد كبيرة من القوات الروسية التي تتدرب في الشرق الأقصى الروسي. ويحتاج الروس إلى المزيد من القوات، وهو ما يجعل هذه التقارير قابلة للتصديق. لن تهزم روسيا جيشًا مسلحًا بالأسلحة الأميركية بعدد القوات التي نشرتها حتى الآن. ويواجه الروس خيار الهجوم بقوة ساحقة أو خسارة الحرب. وسوف يختارون الأول.‏ الروس محميون بواقع سياسي وعسكري. ليست الولايات المتحدة معنية بضرب روسيا مباشرة، سواء بالأسلحة التقليدية أو النووية. عندئذٍ يمكن لروسيا أن ترد بالمثل. لا يريد أي من الجانبين حربًا روسية-أميركية مباشرة. ويمكن لروسيا ضرب التعزيزات عند عبورها إلى أوكرانيا، لكن الروس سيرسلون عددا كبيرًا من المتدربين لأن الخسائر الفادحة في كل مرحلة ستكون حتمية.‏ طالما ظل بوتن رئيسًا لروسيا، فإنه سيبذل كل جهد ممكن لتحقيق الفوز، لأنه لا يستطيع القبول يأي شيء أقل من النصر. ولا أرى له أي استراتيجيات أخرى ممكنة باستثناء استراتيجية زيادة القوى العاملة، والتي أفترضُ أنها ستحدث قريبًا جدًا أو بعد فصل الشتاء. لا يبدو لي أن القوات الحالية التي نشرتها روسيا في أوكرانيا يمكنها أن تفعل أكثر من التمسك ببعض المناطق. ثمة حاجة إلى التعزيز. وقد تكون لدى بوتين استراتيجيات أخرى، لكنَّ من الصعب تصورها في هذه المرحلة.‏ *جورج فريدمان: متنبئ جيوسياسي معترف به دوليا واستراتيجي للشؤون الدولية ومؤسس ورئيس مجلس إدارة "جيوبوليتيكال فيوتشرز". ‏وهو أيضا المؤلف الأكثر مبيعاً حسب تقدير "نيويورك تايمز". يصف كتابه الأخير ‏‏"العاصفة قبل الهدوء: الخلاف الأميركي، والأزمة المقبلة في 2020، والانتصار اللاحق‏‏"، الذي نشر في 25 شباط (فبراير) 2020. ويصف فيه كيف أن "الولايات المتحدة تصل بشكل دوري إلى نقطة أزمة تبدو فيها في حالة حرب مع نفسها، لكنها بعد فترة تعيد اختراع نفسها، في شكل مشابه لتأسيسها ومختلف جذريا عما كانت عليه". ويشكل العقد 2020-2030 مثل هذه الفترة التي ستجلب اضطرابات دراماتيكية وإعادة تشكيل للحكومة الأميركية والسياسة الخارجية والاقتصاد والثقافة. *نشر هذا التحليل تحت عنوان: The War اقرأ أيضا في ترجمات: اضافة اعلان

فرنسا وإسرائيل.. أي لوبي صهيوني؟ (6): التهافت على التقنية الإسرائيلية، بأي ثمن؟

فرنسا وإسرائيل.. أي لوبي صهيوني؟ (5): إسرائيل في قلب جهاز الدفاع الفرنسي