الحركات الإسلامية.. خلافات بلا معنى

الحركات السلفية تعيش خارج العصر وتتوسل بالتاريخ لا بالإسلام الذي أنزله الخالق صالحاً لكل زمان، من دون تقليد ولا نمطية.

يتكرر أن تُذكر الخلافات بين الحركات "الإسلامية"، في غير مكان ودولة، باعتبارها دليلاً لا على تراجع حضور تلك الحركات وحسب، بل أيضاً على انحسار "المد الإسلامي"، أي انحسار تديّن المجتمعات العربية، تديّناً اجتماعياً لا سياسياً، إن جاز التعبير، وفق الشكل والفهم الذي عرفته خلال السنوات الأربعين الأخيرة، على وجه الخصوص.

اضافة اعلان

مع إقراري أن المد الإسلامي، بمعناه الاجتماعي، قد تراجع، فإنني هنا أود التنبيه إلى أن خلافات الحركات التي تسمي نفسها "إسلامية"، أو اتفاقاتها، لا تعني شيئاً في هذا الإطار، ذلك أن اختلافاتها لا جذور فكرية حقيقية لها، من تلك المعنية بنهضة الأمة. فهي، جميعاً، من دون استثناء، إنما تحمل فهماً واحداً للإسلام، مفاده أن الإسلام الصحيح هو ذاك الذي كان في التاريخ، وبذا، تكون الحركات "الإسلامية" المشار إليها كلها، سلفية بدرجة أو بأخرى، ويكون اختلافها متعلقاً بدرجة تلك السلفية، لا بأصل السلفية نفسها.

هذا معناه أن تباين وتنوع طروحات تلك الحركات لا يحول من دون أن تقول كلها الشيء نفسه، في الخلاصة، مع اختلافات ظاهرة في وسائل التطبيق، لتنعكس –مثلاً- في الافتراق الشكلي بين مدرستي الاعتدال والتطرف.

أهمية تلك الحركات، سياسياً، إنما نبعت من ظهور المد الإسلامي، بمعناه الاجتماعي، لا من ظهورها هي، فذلك المد هو الذي أعطاها الحضور الكبير، وليس العكس، وذلك المد هو الذي دفع بعضها للظهور في الميدان، وليس العكس، فكيف يمكن للنتيجة أن تكون ذات دلالة في شأن السبب؟!

ما يمكن أن يكون ذا دلالة، هو قدرة المجتمعات العربية على طرح فهم إسلامي مختلف، يغادر أسر "النموذج" الذي ما فتئ يسيطر على فهمنا للأفكار.

لقد نزعت المجتمعات العربية حتى الآن، عند إعجابها بأي طرح فكري وسعيها للأخذ به، للبحث عن تطبيق جاهز له وجد عند أناس آخرين، واتخاذ ذلك التطبيق بمثابة "النموذج" الواجب تقليده للنجاح في تطبيق الفكرة. وهذا يعني، أن ما هو ذو دلالة، إنما يخرج عن أطر الحركات "الإسلامية" الراهنة، بل يحطم تلك الأطر تماماً، ما يحرم تلك الحركات من نسبة نفسها للإسلام، ويعيدها إلى حقيقتها: حركات سلفية تعيش خارج العصر، وتتوسل بالتاريخ، لا بالإسلام الذي أنزله الخالق صالحاً لكل زمان، من دون تقليد ولا نمطية.

الشواهد كلها تؤكد أن أن حضور الحركات "إسلامية" قد تراجع فعلاً. وهذا قد يكون دليلاً على انحسار المد الإسلامي، أي التديّن الاجتماعي المنطلق من القاعدة السلفية في فهم الإسلام، وهو أمر لا يمس من قريب أو من بعيد، العلاقات المتوترة -بطبيعة الحال- بين تلك الحركات، والمبنية على تنافسها لبلوغ هدف واحد، تعبّر عنه بلغات مختلفة.

ما نود أن نخلص إليه أنّ اختلافات الحركات "الإسلامية"، لا قيمة لها في سياقات البحث عن النهضة، إذ لا يجوز المفاضلة بين حركات تقول كلها الكلام نفسه، وتسعى كلها للهدف ذاته.

[email protected]