الحركة الإسلامية: الرؤية والأداء

     يبدو أن الحركة الإسلامية متجهة إلى المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية في الأردن وفلسطين، وربما في مصر وسورية، وستكون شريكا رئيسا في الحكم والإدارة، وقد شاركت من قبل بفاعلية وحضور كبير في الجزائر والعراق وأفغانستان وتركيا والسودان.

اضافة اعلان

       ولنفترض أن هذا السيناريو قد حدث بالفعل، فإنه في هذه الحالة سيحمل أسئلة جديدة مختلفة عن مشاركة الحركة الإسلامية في العراق وتركيا وغيرهما من الدول والأقطار، لأنها تحولات متعلقة جوهريا بالصراع العربي الإسرائيلي والتسوية السياسية والعلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وسيكون لهذه التحولات إن حدثت تأثيرات وتداعيات كبرى على الحركة الإسلامية في بنيتها وبرامجها وتماسكها الداخلي والتنظيمي.  

         ما زال قادة الحركة الإسلامية كما في حديث الأستاذ عبد المجيد الذنيبات مع قناة العالم يوم الجمعة(24/6/2005) يقدمون رؤية سابقة لا تفسر التحولات الجارية والتعامل معها، ولا تأخذ بالاعتبار الإنجازات والمكاسب التي تحققت بالفعل.

        فقد وصلت الحركة الإسلامية إلى نهاية تاريخها، وهي عبارة تعني الانتصار والإنجاز، وإن كانت أيضا تعني التحدي الذي قد يحول الإنجاز إلى الرحيل النهائي، فالنهاية تكون في الانتصار كما في الهزيمة.

        لقد كان الهدف الحقيقي والجوهري للحركة الإسلامية منذ ثلاثينيات القرن العشرين والذي كان محور برامجها ونشاطها ومواقفها هو قيام مجتمع(وليس دولة) إسلامي، واليوم فإن الحالة الإسلامية تمثل القوة الرئيسة المحركة للمجتمعات في الأقطار العربية والإسلامية.

          إن هذا الواقع الجديد سيؤدي حتماً إلى إعادة صياغة الحركة الإسلامية وإنتاجها من جديد لتكون جماعة سياسية تشتغل بالقضايا والهموم الميدانية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وستتحول من رمز رومانسي وأيديولوجي معلن إلى جماعة ومؤسسات مطالبة بالإصلاح الاقتصادي وإدارة الموارد والخدمات الاجتماعية والصحية والعلاقات الخارجية، وهي في ذلك معرضة للنجاح والفشل، وتحكمها معطيات واقعية وميدانية من الموارد والعلاقات والتفاعلات والمحددات.

         يقول الأستاذ عبد المجيد الذنيبات إن رؤية الحركة الإسلامية -في الأردن- أن الأردن يمثل أرضا للحشد والرباط لتحرير المسجد الأقصى ومقاومة الاحتلال والتطبيع، وهي مقولة تؤكد الحاجة إلى رؤية جديدة تحمي الحركة الإسلامية من الضياع والتفسخ، فإذا كانت الرؤية هذه تصلح إطارا جامعا للمؤيدين والأعضاء، فما مصيرها اليوم، وقد أصبح نضال حركة حماس قائما على الانتخابات البلدية والتشريعية، ومقاومة تأجيلها؟

         لقد وقفت الحركة الإسلامية في الأردن نفسها على القضية الفلسطينية، وتحولت تركيبتها العضوية والتنظيمية والبرلمانية إلى التعبير عن هذا البرنامج، وفي غياب الرؤية الجديدة فإنها ستجد صعوبات كبرى أقرب إلى الاستحالة في مواصلة استيعاب المؤيدين والأعضاء في جميع محافظات البلد وطبقاته المهنية والاجتماعية على أساس الانتخابات التشريعية والبلدية الفلسطينية.

         واليوم وقد تحققت الصحوة الإسلامية على نحو لم تعد الحركة الإسلامية تضيف إليها شيئا، ويكاد عملها يكون حراثة أرض محروثة وزراعة أرض مزروعة، وآلت القضية الفلسطينية وكذلك العراق وأفغانستان إلى تسويات قبلت بها الحركات الإسلامية المعنية بها مباشرة بغض النظر عن عدالة هذه التسوية، فإلى أين تمضي هذه التحولات بالحركة الإسلامية في الأردن بخاصة؟

         سيؤثر هذا التحول على التماسك الداخلي للحركة الإسلامية في الأردن ويعرضها للتفسخ، ويضع أعضاءها أمام أسئلة استراتيجية جديدة عن مبررات قيامها وتفسير الرؤى والمواقف الأيديولوجية السابقة والتي قدمت إلى الأعضاء والمجتمع على أنها مبادئ إسلامية ثابتة غير قابلة للتحول والتراجع، فلماذا كان إذن رفض المشاركة السياسية؟ وما جدوى ومدى صحة مقولات مقاومة التطبيع ومعاداة اليهود وإسرائيل الثابتة؟

          وعلى نحو عام فإن الحركة الإسلامية ستتحول إلى أحزاب أقرب إلى العلمانية، وقد تنتهي حالة الإسلامية لأنها ستكون مشتركة بين معظم الناس وتمثل قاعدة عامة للمجتمعات كلها لا تتميز بها حركة أو جماعة معينة، أو بعبارة موجزة (إسلام بلا إسلاميين) وسيكون أساس تشكيل الأحزاب والجماعات والاختلافات بينها هو البرامج المتعلقة باحتياجات الناس والمجتمعات والضرائب والحريات والموارد، وسيكون الاختيار بين هذه الجماعات والأحزاب على أساس برامجها التفصيلية وليس أفكارها وأيديولوجياتها العامة.