الحريات الإعلامية في الأردن.. مكانك سر

صدر تقرير منظمة مراسلون بلا حدود عن التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2019 ويظهر أن وتيرة الكراهية ضد الصحفيين قد تصاعدت لدرجة بلغت حد العنف، وان الانظمة الاستبدادية شددت قبضتها على وسائل الإعلام أكثر فأكثر. إذا ما استثنينا الدولة الاسكندنافية التي تتربع على عرش الحريات، فإن مؤشر حرية الإعلام يظهر تراجعا وتقهقرا في كل دول العالم، بما فيها دول تعد ديموقراطية مثل اميركا وبعض بلدان اوروبا. لا شيء يثير الدهشة إذا ما عرفنا ان ثلاث دول من العالم العربي فقط احتلت مرتبة اقل من مائة في مؤشر الحريات، والبقية كلها جاءت بعد ذلك، وبعضها كالعادة تذيل القائمة التي تضم 180 بلدا. الأردن تقدم في مؤشر تصنيف الحريات الإعلامية درجتين واحتل المرتبة 130 العام 2019 , ووصفت حالة الصحافة فيه بـ "الوضع الصعب". لم أسمع تعليقات رسمية على وضع الأردن في المؤشرات الدولية لحرية الإعلام، مع أن تقرير مراسلون بلا حدود، يستأثر باهتمام الدول، ويعتبر وثيقة مرجعية في العالم لتقييم واقع الصحافة ووسائل الإعلام دون إغفال للتقارير الوطنية. رغم انني لم أسمع ردودا رسمية فإنني سعدت أنهم لم يحتفوا بتقدمنا درجتين من 132 إلى 130 مثلما فعلوا من قبل، فالوضع يستحق من الدولة ان تدرسه بعناية وتتساءل؛ كيف ولماذا تحتل دولة عربية مثل جزر القمر المرتبة 56، وتونس المرتبة 72، وموريتانيا المرتبة 94 ونحن على هذا الحال؟ تشخيص أزمة الإعلام في الأردن على نحو او آخر يتكرر منذ عودة الحياة إلى الديموقراطية، وباختصار جوابي انهم لم يتقبلوا، ولم يتعايشوا مع فكرة صحافة حرة مستقلة تراقبهم وتحاسبهم، ولهذا فإن معظم التوجهات والقرارات لا تذهب فعلياً لتعزيز حرية الإعلام. تتحدث الدولة الأردنية بكافة مؤسساتها عن دعم حرية الإعلام وحين تدقق في التشريعات التي تقر او السياسات التي تتبع، او الممارسات التي تطبق تكتشف بسهولة ويسر انها لا تقود ابدا لتحسين واقع الإعلام، بل في أحسن الاحوال تبقيه على حاله ان لم يتراجع. المشهد الإعلامي الآن أكثر تعقيدا مما مضى بعد سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي، وتغير اللاعبين في الميدان الصحفي، وهذا ما قلته لوزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة إثر تقلده لمنصبه الوزاري بعد انقطاع عن الإعلام وارتباطه بالعمل الدبلوماسي خارج البلاد، وهذا ما يجب ان يدرك جيدا بعد الضجة والاتهامات التي تصاعدت عقب تشكيل ما سمي "لجنة تطوير الإعلام". لست ضد مبادرات الديوان الملكي لتطوير الإعلام - فقد كانت وستستمر- وإن تغيرت الانماط والوجوه، ومع الاصغاء للآراء حول تشخيص حالة الإعلام، والاسماء التي اختيرت وجلست على الطاولة اولا من حقها ان تقدم رأيها، مع ملاحظة انها لا تمثل كل الطيف والتنوع المطلوب، ولكن الازمة باعتقادي أعمق من قصة الوصول لتشخيص ومقاربات، وانما ترتبط بتوفر الارادة السياسية والقطع مع الماضي، والايمان بالحريات نهجا وممارسة لا قولا. قبل استقالة وزيرة الدولة لشؤون الإعلام الزميلة جمانة غنيمات جلست معها مطولا في نقاش حول رغبة الحكومة اعداد استراتيجية إعلامية جديدة. قلت لها: مهم ان تعد الحكومة استراتيجية إعلامية، ولكن الاهم ان تراجع لماذا أخفقنا في انجاز وتطبيق الكثير من مكونات ومضامين الاستراتيجية التي اعدت العام 2011 لمدة خمس سنوات وظلت حبرا على ورق، بل جاءت التعديلات التشريعية معاكسة للتوجهات الاساسية فيها؟ نصيحتي لمن يريدون للوضع ان يتغير ان يراجعوا التجربة التونسية بعد الربيع العربي، فخلال اقل من عشر سنوات تغير الواقع عندهم، والتشريعات تحسنت واصبحت ضامنة إلى حد معقول للحريات، والممارسات منضبطة، والانتهاكات ان وقعت تتابع ولا يفلت مرتكبوها من العقاب. بصراحة لو ارادت الدولة الاردنية تحسين وضع الحريات الإعلامية لفعلت فهي تعرف الطريق جيدا، غير ان الهواجس والمخاوف من الحريات لم تتراجع في "عقل الدولة"، ولذلك فالمبادرات التي تريد دفعنا للأمام تجهض وتحاصر، ونظل مكانك سر، ان لم نتراجع خطوات للوراء.اضافة اعلان