الحريات العامة.. والإسلاميون

خرجت بالأمس في القاهرة مظاهرة شارك فيها أهل الفنّ والإبداع السينمائيّ والفنّيّ والأدبيّ متوجّهة إلى مجلس الشّعب المصريّ لتقدّم إليه بياناً باسم "جبهة الإبداع المصريّ"، رافضة فيه أيّ وصاية أو تحديد أو تحريم أو تأطير للإبداع بأشكاله المقروءة والمصوّرة والحيّة. وتأتي هذه المظاهرة لتؤكّد على ما جاء في بيان الأزهر الأخير عن منظومة الحريّات الأساسيّة، وهو بيان يتصدى بجرأة منقطعة النّظير وبإشارة واضحة إلى جميع مظاهر المصادرة التي تتعرّض لها الثّقافة العربيّة تحت مسميّات شتّى، على رأسها "الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر".اضافة اعلان
وإذ تصدر مثل تلك الوثيقة وتخرج مثل هذه المظاهرة بعد انتخابات مجلس الشّعب، فلذلك دلالة واضحة على تخوّف شرائح عريضة من الشّعب المصريّ من تقهقر الحريّات وعلى رأسها حريّة التّعبير وحريّة الإبداع. وهو -كما يعلم الجميع- تخوّف مشروع لما نعرفه من تفاصيل الدّعوة الإسلامويّة، بألوان طيفها المعتدلة والمتشدّدة، المعادية للرّأي الآخر، والقائمة على الإقصاء حتى التّكفير.
إنّ أهل الإبداع تتخوّف –مُحقّة- (وأهل مؤنّثة عند العرب وعندي) من أن تأكل الثّورة مبادئها وتنكص عنها، وهي التي قامت لغياب الحريّات، ولسياسات الإقصاء والتّهميش التي مورست طوال ثلاثين عاماً على الشّعبِ المصريّ وعلى فئات بعينها، وعلى رأسها طلاب الديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة والمساواة والكرامة الإنسانيّة من اليسارِ، والجماعات الإسلاميّة من اليمين وأقصاه. فالثّورة –أيّ ثورة– تموت عندما يتنازل المجتمع –كُرهاً أو طَوعاً– عن أهمّ عناصر حدوثها "الحريّة". وكما قالت وثيقة الأزهر، فإنّ حريّة التّعبير هي أمّ الحريّات، ولا تستقيم نهضة (افتراضاً أنّ الإسلاميين يريدون نهضة لأوطانهم كما عرّفتْها الشّعوب ذات السّطوة على مقاديرها) ما لم تُطلَق الحريّات جميعاً. فهي (الحريّات) الضّامنة لمجتمع أن يتأسّس في التقدّم، ويقف ندّا لتلك التي كانت تملي عليه مصيره! ولن يستقيم بحال أن يتوجّه نشاط الجماعات الإسلاميّة الفائزة بثقة الشّعب في تونس ومصر والمغرب (والبقيّة ستتبع) على التّحريمِ والتّكفير وإعادة أسلمة المجتمع والعلوم والثقافة، وإرهاب المرأة وحبسها (تحت مسميات العفّة والتّكريم، أو الشّيطنة والتّأثيم!!) وتهجير الفنون وأهلها، وسنّ قوانين ضدّ الديمقراطيّة، ولكن باسمها!
دعونا لا نفقد الأمل...

[email protected]