الحقائق في مواجهة الأكاذيب

لم تترك السلطات الحكومية مجالا لانتشار الإشاعات والأقاويل حول فيروس كورونا في الأردن. قبل وبعد تسجيل أول إصابة بالفيروس، حرص المعنيون على بسط الحقائق كلها أمام الرأي العام. وعندما تأكد المختصون من إصابة مواطن أردني خرج وزيرا الصحة والإعلام بمؤتمر صحفي لإعلان التفاصيل ونتائج الفحوص المخبرية. وعلى مدار الساعات التي تلت الإعلان الأولي، واصلت وزارة الصحة ضخ المعلومات المتعلقة بحالة المريض والمخالطين له ونتائج فحوصاتهم.اضافة اعلان
أكثر من ذلك ظهر الشاب المصاب في عدة مقابلات صوتية مع وسائل إعلام أردنية ليشرح حالته الصحية وظروف إصابته في إيطاليا التي عاد منها قبل أسبوعين.
لكن ذلك الجهد على أهميته لم يمنع أصحاب الأنفس المريضة من بث الإشاعات والأكاذيب، وفبركة الأخبار عن حالات مزعومة سجلت في مستشفيات أردنية ومدن أخرى غير عمان، مع سيل من التهويل والمبالغة على مواقع التواصل الاجتماعي، ساهمت في زيادة حالة الذعر والتهافت على شراء المواد المطهرة والكمامات دون مبرر.
وسط هذه الحالة استغل أصحاب نفوس مريضة حاجة الناس وخوفهم لرفع أسعار الموادة الطبية واحتكارها لتحقيق مكاسب مادية على حساب الناس البسطاء.
قد لا تكون هذه الظواهر حكرا على المجتمع الأردني، ففي ظروف الأزمات وحالات القلق الاجتماعي يسيطر الخوف على المواطنين، ويصبح المحرك لسلوكهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بحياة الناس وصحتهم. وقد شهدنا في مجتمعات متطورة سجلت فيها إصابات بفيروس كورونا تهافتا كبيرا على شراء السلع وتخزينها وزيادة كبيرة في أسعار المواد التي تساعد على الوقاية من الأوبئة.
في الأردن كانت أمامنا فرصة لتعلم الدروس من تلك التجارب، فالفيروس وصلنا بعد أن ضرب في خمسين دولة بدرجات متفاوتة. والحقيقة أن السلطات الصحية في الأردن ومعها وسائل الإعلام، استفادت كثيرا من طرق التعامل التي انتهجتها دول سبقتنا، واعتمدت أسلوبا اتسم بالشفافية والصراحة في تقديم المعلومات دون تردد أو تهويل وبما يساعد الناس على اخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب الإصابة بالفيروس، وشهدنا بالفعل تطورا في حس النظافة عند الكثيرين وحرصا على تجنب الأسباب المؤدية لانتقال العدوى.
بالرغم من ذلك لم تفقد الإشاعة بريقها، وحافظت على حصتها من حجم الأخبار المتداولة، ما يشي بحالة عابرة في المجتمعات، لايمكن مقاومتها إلا بالمزيد من الحرص على تقديم الحقائق، ومواجهة الأكاذيب بالمعلومات المضادة، واللجوء إلى تفعيل أدوات القانون في حال تجاوز خطر الإشاعة حدوده وأصبح تهديدا للاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي.
الحكومة شعرت بعد ساعات على تسجيل أول إصابة بأن الإشاعة تخطت حدودها، فلجأت على الفور إلى سلاح القانون لملاحقة مطلقي الإشاعات وسوقهم للقضاء لينالوا العقاب العادل.
كان لابد من هذه الخطوة في هذا التوقيت، لأننا أمام حالة ربما تستمر لعدة أشهر، ولانستطيع أن نتنبأ بمعدل الإصابات في المستقبل، وإذا ماتركنا لمنصات وحسابات التضليل مواصلة بث الأكاذيب قد نجد أنفسنا وسط فوضى اجتماعية خطيرة. لذلك ينبغي قطع دابر الكذب من أوله، وهذا يتطلب أن تفي الحكومة بوعودها في محاسبة مروجي الإشاعات، وفي ذات الوقت ضمان تدفق المعلومات بنفس المستوى من السرعة والانسيابية.