الحقيقة عن الحرب السوفياتية في أفغانستان

7jj055km
7jj055km
غريغوري فيفر* - (مجلة الأتلانتيك) 4/1/2019 ترجمة: علاء الدين أبو زينة عندما صدم الاتحاد السوفياتي العالم بإرسال قواته إلى أفغانستان قبل 40 عاماً من كانون الثاني (ديسمبر) الماضي، خمن بعض المراقبين الغربيين أن ذلك التدخل كان نتيجة للمصادفة والخطأ أكثر من كونه قراراً واعياً بالغزو. فبالحرص على إحداث انقلاب سريع يمكن أن يدعم حكومة شيوعية زميلة متعثرة ومنع النفوذ الأميركي من ملء فراغ جيوسياسي في أفغانستان، اعتقد القادة السوفيات أنهم يتصرفون بدقة جراحية. وفشلوا في إدراك أن إرسال القوات، الذي رأوا أنه مجرد تدبير وقائي، سوف يُنظر إليه في داخل أفغانستان على أنه انحياز إلى أحد الجوانب في حرب أهلية مستعرة -بينما سيراه آخرون استيلاء على أرض تقوم به قوة عظمى لا تعرف الرحمة. مع ذلك، إذا ما قورنت أوهام الكرملين المصطبغة بالماركسية بمنطق ترامب المشوش والغريب في تصريحاته الأخيرة عن سحب قواته من أفغانستان، فإنها ستبدو تافهة في أحسن الأحوال. لم يضم توصيفه للحرب الروسية أي شذرة من الحقيقة، ناهيك عن أي منطق. وجاءت تصريحاته لتبرير سياسة أفغانية تهدد بتقويض المكاسب القليلة التي حققها الجهد الذي دام عقدين تقريباً بقيادة الغرب، والتي تتجاهل الدروس المستقاة من كل من الحملة السوفياتية والحملة التي قادها حلف الناتو على حد سواء. أعلن ترامب في ملاحظات متلفزة في البيت الأبيض في أعقاب اجتماع وزاري: "اعتادت روسيا أن تكون الاتحاد السوفياتي". (في الحقيقة، كانت مجرد الجمهورية الأكبر بين 15 جمهورية سوفياتية). "وقد جعلتها أفغانستان روسيا فقط، لأنهم أفلسوا بسبب القتال في أفغانستان". وأضاف، ليصبح أول زعيم في منطقة عبر الأطلسي يؤيد الغزو السوفياتي: "السبب الذي جعل روسيا تتواجد في أفغانستان هو أن الإرهابيين كانوا يذهبون إلى روسيا. كانوا (الروس) محقين في التواجد هناك. المشكلة هي، أنه كان قتالاً صعباً. وحرفياً، أفلسوا؛ وتغيّرت أحوالهم ليصبح اسمهم روسيا مرة أخرى، بدلاً من الاتحاد السوفياتي. كما تعرفون، الكثير من هذه المناطق التي تقرأون عنها لم تعد جزءاً من روسيا بسبب أفغانستان". في الحقيقة، لم تكن للإرهاب أي علاقة بالغزو الذي نفذته موسكو. (ربما كان ترامب يركز على أسباب غزو آخر -في الشيشان). كانت الحرب في أفغانستان مدفوعة أكثر من أي شيء آخر بالاستياء من رئيس البلد في ذلك الحين، حفيظ الله أمين. ومع أنه كان قائد الحزب الشيوعي الأفغاني المدعوم من السوفيات، فإنه أغضب الكرملين بقيامه باغتيال سلفه، نور محمد تراقي، وهو شيوعي منافس. وألقت موسكو باللوم على قسوة أمين في التسبب بموجة من الثورة في ريف البلد، والتي هددت الحكومة. وبالقضاء عليه، كما فكر الكرملين، سوف ينقذ الانقلاب النظام الشيوعي الذي أبقى على البلد الواقع إلى جنوب الاتحاد السوفياتي داخل دائرة نفوذ موسكو. وهكذا، في كانون الأول (ديسمبر) من العام 1979، قام طباخ كان عميلاً لجهاز المخابرات السوفياتي (الكيه. جي. بي)، والذي يعمل في القصور الرئاسية الأفغانية، بدس السم في وجبة كان يعدُّها لأمين. لكنه عندما أذاب السم في كأس من شراب الرئيس المفضل، الكوكاكولا، جعلت فقاعاته المزيج غير مؤذٍ. وكانت محاولة تسميم أخرى بعد أسبوعين لاحقاً لتنجح لولا أن الأطباء الذين أرسلتهم السفارة السوفياتية في كابول -التي لم تكن على علم بخطط "الكيه. جي. بي"- قاموا بإنعاش أمين. وبحلول ذلك الوقت، كانت قوات الجيش الأحمر تنفذ الغزو، وقُتل الرئيس بعد وقت قصير عندما اجتاحت وحدات القوات السوفياتية الخاصة قصره. كان ذلك العمل الأخرق ليكون كوميدياً -لو أن النتائج لم تكن بالغة المأسوية. فقد تحول توغل الكرملين المفاجئ إلى حملة مطولة ضد المتمردين المحليين، والتي زادها سوءاً عدم الانضباط العسكري السوفياتي المحزن، والضربات المؤلمة، وحصص الطعام البائسة التي أجبرت الجنود على الإغارة على المزارع والمتاجر المحلية -وهو ما حول قلوب الأفغان وعقولهم ضد موسكو. على الرغم من الأخطاء الفادحة في التخطيط والتنفيذ، لم تكن الحرب السوفياتية في أفغانستان فشلاً كاملاً. وإلى أن زودت واشنطن الثوار المجاهدين بصواريخ أرض-جو من نوع "ستينغر" في العام 1986، كانت لموسكو اليد العليا. وكانت المشكلة بالنسبة لاتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية هي أنه بعد وقت قصير من وصول الإصلاحي، ميخائيل غورباتشيف، إلى السلطة في العام 1985 -وإنما قبل أن تقوم صواريخ ستينغر بتحويل وجهة الصراع- فإنه وعد بسحب القوات السوفياتية من البلد. ومع ذلك، ظلت القوات هناك أربع سنوات أخرى؛ حيث راكمت المزيد من الخسائر العسكرية والمدنية، وساعدت في توليد أعداد متزايدة من المتشددين المتطرفين -وهو ما فعلت الولايات الكثير للمساهمة فيه من خلال تسليح وتمويل جماعات المجاهدين التي اجتذبت المقاتلين الأجانب. لكن الكذبة الأبرز بين أكاذيب ترامب التي أدلى بها يوم الأربعاء كانت أن الحرب في أفغانستان تسببت في انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي الحقيقة، كانت لنهاية الشيوعية علاقة بفساد اقتصاد موجه منتفخ، أفقره انخفاض أسعار النفط وقوضته في نهاية المطاف الفوضى التي أعقبت قرار غورباتشيف تخفيف قبضة الكرملين على السياسة. وقد لعبت الحرب في أفغانستان دوراً رمزياً فقط؛ حيث عرضت صورة في الوطن وفي الخارج عن إمبراطورية فاشلة وغير قادرة على التعامل مع حفنة من المحاربين غير النظاميين الرثين في جزء قصي من حدودها الجنوبية. في العقود التي أعقبت الانسحاب السوفياتي في شباط (فبراير) 1989 -الذي سيمر عليه 30 عاماً الشهر المقبل- بدأ الروس بالتصالح مع فكرة الهزيمة ببطء. وعندما كنتُ أجري بحوثي من أجل تأليف كتاب في العام 2009 عن الحرب السوفياتية، وجدتُ أن وقتاً كافياً مرَّ بحيث أصبح العديد من المحاربين السابقين قادرين على أن يتأملوا بشكل نقدي في ما رأوه على أنه مأساة. ومن بين هؤلاء، فاليري كوريلوف -الذي كان ضابطاً في قوات النخبة الخاصة، وشارك في الغارة التي قتلت أمين في العم 1979. وأخبرني كوريلوف بأنه لم يتفاجأ من أن طالبان والقاعدة وجدا أرضاً خصبة في التسعينيات. وقال: "لماذا يجب أن يتقاسم الأفغان قيمَنا ويحترمونا؟ بل أي قيم هي التي نتحدث عنها؟ لقد غزونا بلادهم، وسلبناهم وقتلناهم، ثم حزمنا حقائبنا ببساطة وغادرنا". لكن مثل هذا الآراء شرعت في التغير حول العام 2008، عندما بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مواجهته مع الغرب بشكل جدي، وأصبح يُنظر إلى الحرب من خلال عدسة الحنين إلى العهد السوفياتي والمنافسة المتجددة مع الولايات المتحدة. وباستلهام نظراتهم من الكرملين، بدأ المحاربون القدامى بلوم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على تقديمها الرصاص الذي قتل رفاقهم. مع ذلك، ما يزال طيف الفشل في أفغانستان يخيم على مغامرات بوتين الخارجية. في الصراع الأوكراني كما هو الحال في الصراع السوري، كان هدف الكرملين الرئيسي هو عرقلة واشنطن وحلفائها أكثر من الالتزام بأي نواتج نهائية مكلفة: أصبح الأمر يتعلق بالتكتيكات وليس الاستراتيجية، مع الحد الأدنى من المخاطرة الروسية والاحتفاظ بالقدرة على الانسحاب في أي لحظة وإعلان النصر. كما يحدث هذا أيضاً مرة أخرى في أفغانستان أيضاً؛ حيث تقوم روسيا بتمكين طالبان تحت غطاء التوسط في محادثات سلام بين الجماعة المتطرفة والحكومة -لأن هدف بوتين الرئيسي هو إحباط جهود حلف الناتو والولايات المتحدة عن طريق تأجيج عدم الاستقرار بدلاً من تسهيل التوصل إلى تسوية سياسية. تشكل هذه السياسة خطراً على موسكو. فبالإضافة التهديد الأمني الذي يشكله المتشددون على أطراف روسيا الجنوبية وجيرانها في آسيا الوسطى، يأتي معظم الهيروين الذي يغذي الإدمان الروسي الوبائي من حقول الخشخاش الأفغانية التي تسيطر عليها طالبان. لكن هدف بوتين النهائي لم يكن أبداً تعزيز مصالح بلده بقدر ما هو تعزيز سلطته الخاصة من خلال عرض نفسه كمستعيد للعظمة الروسية. يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة في أفغانستان مناقضاً لهدف موسكو، والذي يتطلب التزاماً بعملية طويلة الأمد لبناء الدولة في بلد ساعدت واشنطن نفسها في تدميره في الثمانينيات. ومع أن الولايات المتحدة والناتو أنهيا رسمياً العمليات القتالية في العام 2014، فإن القوات الأميركية والحليفة ما تزال تساعد على إبقاء الدولة متماسكة معاً، وتوجه الضربات ضد "داعش" وطالبان وتقوم بتدريب الجيش الأفغاني. ثمة الكثير مما يجب عمله في أفغانستان. وبدلاً من ذلك، أمر ترامب بسحب نحو 7.000 جندي -أي نصف القواات الحالية المكونة من 14.000 جندي. ومن بين الآخرين الذين انتقدوا الخطوة، وصف الجنرال المتقاعد ستانلي ماكريستال -المنتقد الصريح للرئيس السابق باراك أوباما- تصرفات ترامب بأنها "غير أخلاقية"، وقال إنها "جردتنا بشكل أساسي من أكبر نقطة نفوذ لدينا" في البلد. سوف يساعد سعي ترامب إلى تحقيق كسب سياسي قصير المدى عن طريق الوفاء بوعد بذله خلال حملته الانتخابية لقاعدته اليمينية المتطرفة، في تقوية الموقف الروسي، وتعزيز طالبان و"داعش"، وسيضع السكان المدنيين الأفغان تحت خطر أكبر، ويوسع التهديد الموجه للأمن الدولي. ربما يكون السوفيات قد تخبطوا داخلين حرباً أهلية لم يفهموها أبداً بشكل كامل قبل أربعة عقود. لكنهم مهما كانوا مضلليين في العام 1979، فإن تبريرات رئيسنا الحالية المشوشة تجعلهم يبدون حكيمين نسبياً، بالمقارنة. *مؤلف العديد من الكتب، ومنها "المقامرة الكبرى: الحرف السوفياتية في أفغانستان" و"الروس: الأشخاص الذين يقفون وراء السلطة". وهو يشغل حالياً منصب المدير التنفيذي لمعهد شؤون العالم الراهنة في واشنطن. *نشر هذا المقال تحت عنوان: The Truth About the Soviet War in Afghanistanاضافة اعلان