الحق في التجمع السلمي بين القانون والممارسة

د. نهلا عبدالقادر المومني

شهد الأردن نقلةً نوعيةً وضبطًا لميزان الحريات العام 2011 م وذلك بتعديل جوهري أُدخل على قانون الاجتماعات العامة رقم 7 لسنة 2004م وتعديلاته ينسجم والمعايير الدولية لحقوق الإنسان حيث تمّ إلغاء موافقة الحاكم الإداري المسبقة على عقد الاجتماعات العامة وتنظيم المسيرات والاكتفاء بمجرد إشعار يقدم من قبل منظمي الاجتماع يبين مكان وزمان عقد الاجتماع وأسماء منظميه والغاية من الاجتماع. وتضمنت التعديلات في حينها أيضًا حصر مسؤولية الإخلال بالأمن العام أو النظام العام أو حصول أضرار بالغير أو بالأموال العامة أو الخاصة بالأشخاص المسببين لهذه الأضرار بعد أن كانت في السابق من مسؤولية منظمي الاجتماع.اضافة اعلان
جاء هذا التعديل لينسجم والدستور الأردنيّ الذي كفل الحق في التجمع السلمي في اطار المادة السادسة عشرة دون أن يفرض عليه قيودًا باستثناء ما يتعلق بتنظيم الحق ضمن حدود القانون، القانون الذي يتوجب ألا يفرض شروطًا تحول دون ممارسة الحق أو تؤدي إلى المساس بجوهره ومضمونه.
بالرغم من هذه الخطوة المضيئة في مجال احترام الحق في التجمع السلمي وكفالته وإعماله احترامًا للدستور الأردنيّ ابتداء وانفاذا لالتزامات الأردن بموجب الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إلا أنّ التجمع السلمي شهد ممارسات أدت إلى الانتقاص من حق الأفراد في ممارسته لا بل في أحيان أخرى أدت إلى إهداره؛ حيث شهدت الساحة الأردنية منعًا مسبقًا لبعض الفعاليات بلغ عددها العام 2018م ثمان فعاليات، مقارنة بثلاث عشرة فعالية تم منعها العام 2017م، في حين شهد العام 2016م منع إحدى عشرة فعالية أما العام 2015 فقد انطوى على منع سبع فعاليات وذلك وفقًا لتقارير المركز الوطنيّ لحقوق الإنسان والذي أشار أيضا إلى أنّ الفعاليات التي مُنعت تنوعت ما بين وقفات احتجاجية أو مسيرات أو محاضرات أو ندوات أو مهرجانات خطابية.
يأتي هذا المنع في الوقت الذي يقصر قانون الاجتماعات العامة رقم 7 لسنة 2004 م وتعديلاته صلاحيات الحاكم الاداري على فض الاجتماع إذا تبين بأن مجرياته قد تؤدي إلى تعريض الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة للخطر أو المس بالسلامة العامة ولا يمنحه أي صلاحيات تتعلق بالمنع المسبق للفعاليات. فما يتم هو مجرد اشعار الهدف والفلسفة منه هو أن تقوم السلطات المعنية بتسهيل مهمة المجتمعين بصورة سلمية وتوفير الحماية لهم إن لزم الأمر وحماية الممتلكات العامة والخاصة في آن واحد أثناء انعقاد الفعالية.
إن الأرقام السالفة الذكر تتطلب وقفةً مطولة ومراجعة متأنية؛ فالممارسات أمست تخالف القانون والدستور في آن واحد لا بل أن هذه الممارسات أضحت في مواجهة مباشرة مع سيادة القانون كثابت من ثوابت الدولة الأردنية وكمبدأ دستوري أصيل.
في الواقع لا بدّ من القول إنّ الممارسات المتمثلة في منع الفعاليات أو فضها في أحيان أخرى تعكس غيابًا أو ضبابية في فهم فلسفة الحق في التجمع السلمي؛ فالتجمع السلمي وكما أكدّ المقرر الخاص المعني بحماية هذا الحق في تقريره المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يشكل قاعدة أساسية لممارسة الحريات الأخرى وخاصة الحق في حرية التعبير والحق في تكوين الجمعيات والانضمام إليها والحق في المشاركة في إدارة الشأن العام وأن هذا الحق –وحسب المقرر الخاص-يعزز المساءلة والمحاسبة والحكم الرشيد وأنّ ضمانه وكفالته في القانون والممارسة له دورٌ حاسم في ظهور نظم ديمقراطية فاعلة، كما أنه يسهم في تعزيز ثقافة الحوار والتسامح والتعددية. كما أشار المقرر الخاص في التقرير ذاته إلى انّ الدول يتوجب ألا تنظر إلى ممارسة هذا الحق بوصفه تهديدًا أو خطرًا يحدق بها، بل النظر الى ممارسته على أنها تشكل مقياسًا يمكن للحكومة أن تستخدمه للوقوف على مدى الرضا عن أدائها، ناهيك عن أنّ ممارسة الحق في التجمع السلمي يشكل أداة أساسية للشعب لا سيما الفئات المهمشة من أجل توجيه انتباه الدولة الى قضاياهم وشواغلهم وصولًا إلى التغيير المنشود.
إنّ الحق في الاجتماع العام ليس منحةً أو هبةً من جهة ما، تمنحها أو تسلبها متى تشاء، وإنما هو حق طبيعي كشفت عنه النصوص القانونية ولم تنشئه وهو مكّن لممارسة الحقوق والحريات بصورة جماعية لذا فإن التغول عليه أو الحيلولة دون ممارسته تعني بالضرورة انتهاكا بالتلازم لجملة من الحقوق والحريات ومصادرة لأدواتها.