الحق في التجمع السلمي

د.نهلا عبدالقادر المومني من أبرز القرارات الصادرة عن المحكمة الدستورية المصرية تلك التي أصلت لفلسفة الحق في التجمع السلمي ومضمونه المعياري بوصفه حقا لازما لحرية التعبير وللديمقراطية الحقة؛ فلطالما أكدت هذه المحكمة أن هدم حرية الاجتماع يقوض الاسس التي لا يقوم بدونها نظام يستند الى الارادة الشعبية، وإذا ما اردنا الوقوف أمام أبرز تجليات المحكمة الدستورية المتعلقة بالحق في التجمع السلمي وكما جاء على لسانها نجملها بالاتي: أولًا: إن الحق في التجمع السلمي أكثر ما يكون اتصالا بحرية عرض الآراء وتداولها كلما أقام أشخاص يؤيدون موقفا أو اتجاها معينا تجمعا منظما يحتويهم، ويوظفون فيه خبراتهم ويطرحون آمالهم ويعرضون فيه كذلك لمصاعبهم ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي. ثانيا: إن تكوين بنيان كل تجمع سواء أكان الغرض منه سياسيا أم نقابيا أم مهنيا لا يعدو أن يكون عملا اختياريا لا يساق الداخلون فيه سوقا ولا يمنعون من الخروج منه قهرا، وهو في محتواه لا يتمخض عن مجرد الاجتماع بين اشخاص متباعدين، ينعزلون عن بعضهم البعض بل يرمي بالوسائل السلمية الى أن يكون اطارا يضمهم ويعبرون فيه عن توجهاتهم ومواقفهم، ومن ثمّ غدا هذا الحق متداخلا مع حرية التعبير؛ ومكونا لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والاجرائية التي يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون، ولو لم يرد بشأنه نص في الدستور، كافلا للحقوق التي أحصاها ضماناتها، محققا فعالياتها، سابقا على وجود الدساتير ذاتها، مرتبطا بالمدنية في مختلف مراحل تطورها، كامنا في النفس البشرية تدعو إليه فطرتها، وهو فوق هذا من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها. ثالثا: إن تنظيم حرية الاجتماع تشريعيا لا يجوز أن تصاغ جوانبه الجزائية إلا عن أفعال يمثل ارتكابها خطرا قائما وظاهرا، يهدد مصلحة جوهرية للدولة وبشرط أن تكون هذه الأفعال محددة بصورة واضحة؛ توقيا للإخلال بحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية التي لا يجوز أن يكون تنظيمها مدخلا لنقضها ولا أن تكون النصوص العقابية طريقا لتقييدها في غير ضرورة. ولئن جاز القول بأن حق الاجتماع يعتبر خادما في آن واحد للأغراض الفردية والجماعية، فإن عرقلتها من خلال التهديد بالعقوبة لن يقل ضررا او خطرا عن توقيعها. هذه الاطلالة على نموذج تطبيقي قضائي في مجال الحق في التجمع السلمي يذكرنا دوما بأن الفهم العميق لفلسفة الحقوق عموما ودورها المتأصل في بناء دولة الحق، ومحوريتها في انتهاج السبل المؤدية إلى طريق العدالة يشكل خطوة أولى في ترسيخ فهم مشترك، وثوابت معيارية لا يحيد عنها أحد تشكل خريطة طريق للعملية التشريعية وللسياسة العامة وللممارسات المتبعة حيال هذه الحقوق تنطلق من رؤية واضحة ونهج متوازن.

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا 

اضافة اعلان