الحق في الحصول على المعلومات وعملية الإصلاح

يرتبط الحق في الحصول على المعلومات بحقوق الانسان على اختلافها وتنوعها، وهذا ما أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة مبكرا عندما أشارت في أحد قراراتها إلى ان هذا الحق يعد المحك الرئيس للحقوق والحريات جميعها.اضافة اعلان
بشكل خاص يعد الحق في الحصول او الوصول إلى المعلومات ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق المدنية والسياسية بما في ذلك الحق في إدارة الشأن العام الذي يعد من الحقوق التي تتطلب كما وافيا من المعلومات التي من شأنها أن تسهم في تشكيل وتكوين الآراء ومن ثم تبني المواقف والاتجاهات؛ ليتمكن الافراد من الانخراط والمشاركة في الشأن العام سواء من خلال ممارسة الحق في تأسيس الاحزاب والانضمام إليها أو المشاركة في الانتخابات العامة أو المشاركة في الحياة العامة عموما والتأثير بالنتيجة في التشريعات والسياسات والقرارات المتعلقة بهذا الشأن، فحرية الوصول الى المعلومات أمست شرطا لزيادة قدرة الشعب على المشاركة في العملية الديمقراطية.
من القرارات النادرة على مستوى الوطن العربي، إن لم يكن القرار الأوحد الذي جسد هذا الربط العميق والعضوي بين الحق في انتخابات حرة ونزيهة بوصفه أحد الحقوق المدنية والسياسية وبين الحق في الحصول على المعلومات، قرار المخالفة الذي سجله القاضي اللبناني الدستوري البروفسور أنطوان مسرة على قرار المجلس الدستوري رقم 2/2018 تاريخ 21/2/2019 والمتعلق بانتخابات 6 أيار 2018 وتحديدا في دائرة بيروت الأولى – مقعد الأقليات، حيث أشار إلى أربعة موجبات أو أسباب لقرار المخالفة هذا أبرزها موجب الشفافية والذي جاء فيه:
"وبما أن مراجعة الطعن حول انتخابات دائرة بيروت الأولى تبين علاقة سلطوية استعلائية بين المواطنين والإدارة العامة من خلال المراجعات المتكررة للجهة الطاعنة لدى وزارة الداخلية للحصول على معلومات موثوقة حول مجرى الانتخابات، مما يبين انعدام الثقة وضعف مشروعية المؤسسات لدى المواطنين ويبرر تشكيكا جديا في صحة انتخابات العام 2018 والانتخابات في بيروت الاولى – مقعد الأقليات. وبما أن حجب المعلومات يطرح التساؤلات التالية: لماذا اصدار قانون حول الوصول إلى المعلومات (…) إذا كانت المطالبات تواجه عمليا بالعوائق والاستخفاف والرفض (…) وبما أن الجهة الطاعنة تقدمت بمراجعات عديدة ومتكررة لوزارة الداخلية في سبيل الاطلاع والحصول على معلومات موثوقة (…) ولم تحصل على استقبال لائق ولا أجوبة ولا على مجرد مساعدة. وبما أن كل المراجعات الواردة في الطعن تجاه وزارة الداخلية تشكل في آن واحد هدرا للوقت ومعاناة للمواطنين وإساءة إلى المسار القضائي السليم وللقيمين على الشأن العام، وتوفر بينة أن الإدارة تسعى إلى إخفاء شيء ما وتؤسس لحالة انعدام ثقة ومشروعية في مسألة لا تتصف بتاتا بطابع السرية فيما يتعلق بالأمن القومي أو بالطابع الشخصي الصرف، فينتج عن تقاعس الإدارة في توفير معلومات ذات طابع عام وغير سرية هدرا لوقت العديد من الأشخاص (…) وبما أن موجب الشفافية في مجمل قانون الانتخاب، وفي قانون الوصول إلى المعلومات وتشريعات أخرى حديثة لمكافحة الفساد هي ثمرة جهود عديدة سابقة، أبرزها برامج علاقة المواطن بالإدارة وإنشاء لجنة برلمانية لمراقبة تطبيق القوانين (…) فإنها تناقض تماما الممارسات الإدارية الواردة في مراجعة الطعن".
يبرز هذا القرار مدى ضرورة التناغم بين مقتضيات الشفافية والوصول الى المعلومات وبين الانتخابات الحرة والنزيهة؛ فالواقع يظهر لنا وبأثر كاشفٍ دوما أن الحصول على المعلومات وانسايبيتها وشفافيتها هو حجر الأساس الأول للتمكن من التمتع بالحقوق جميعها وممارسة الرقابة على أعمال السلطات في الوقت ذاته، وهو خطوة وبناء ضروري للسير قدما نحو عملية الإصلاح، سواء أكان إصلاحا سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا.
هذه المقتضيات جميعها توجب أن يكون مشروع القانون المعدل لقانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات الموجود على أجندة مجلس النواب الأردني أولوية وطنية، وأن يتم الإسراع في إقراره وبما يضمن انسجامه مع المعايير الدولية المتعلقة بهذا الحق، ووفق الممارسات الفضلى في دول العالم.