الحكام الشعبويون المدمرون

يشهد العالم اليوم نمطا جديدا من القادة والأحزاب الشعبويين الذين يستغلون الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدولة ويفوزون "بالديموقراطية" فيها أي بالانتخابات. ويأتي رجل الأعمال والصفقات والأكاذيب دونالد ترامب على رأس القائمة، فقد هزم بمزايدته وغرائبه وشعاراته جميع منافسيه بسهولة، مع أنه سطحي ثقافيا وسياسيا. لكنه مع ذلك أسر قلوب جمهور كبير من الشعب الأميركي بخروجه على المألوف وبأكاذيبه اليومية. وعلى منواله تمكن فيكتور أوربان في المجر من الوصول إلى السلطة (بالانتخابات)، وجير بوسوناري من الفوز بالانتخابات الرئاسية في البرازيل. وكما هو واضح يختلف شعبويو اليوم عن شعبويي العرب في الأمس بطريقة الوصول إلى السلطة أي بالانتخابات لا بالانقلابات. لكنهم لا يختلفون عنهم في المنهج/ الأسلوب الناري في التغيير. أما الجامع المشترك الأعظم بين الشعبويين فيتكون من تجاهل الدليل العلمي وحتى انكاره كما في قضية التغيير المناخي، لأن الأخذ به يجبر نخبهم الرأسمالية على إجراء تغيير مكلف في الطاقة والإنتاج. والعنصرية وكراهية الغرباء بمن في ذلك اللاجئون والمهاجرون. والعداء للنساء اللواتي رددن عليهم بحركة: أنا أيضا (Me too)، ومحاولة استرجاع أو فرض نظام اجتماعي متزمت لدرجة السماح للبوليس بقتل المجرم المشبوه دون محاكمة. أي اعتماد العنف وليس السلم الاجتماعي بحجة المحافظة على الاستقرار. منذ انتخاب ترامب وأرباب الميديا في العالم يحاولون الإجابة على هذا السؤال: لماذا تمكن الشعبويون (اليمينيون) من الفوز باللحظة/ السلطة؟ وفي تفسير ذلك يرى هانز ديمبوسكي محرر مجلة 11/12/2018 D+C الألمانية أن هؤلاء يتناسون أو يهملون عمدا عاملا مهما في هذا النقاش وهو تغير المناخ، فالتغير المناخي تحد ضخم يجب على البشرية جمعاء مواجهته ، ولكن ذلك يتطلب تحولا اقتصاديا كبيرا مكلفا، يهدر المصالح الدفينة لرموز اليمين الشعبوي الذي يملك استثمارات ضخمة تدور بالطاقة الاحفورية التي تتسبب بتغير المناخ وتلوث البيئة. وهكذا نشأ في اليمين قادة ينكرون التغير المناخي، وأنه بدعة اختلقها اليسار، وإلا فلا توجد مشكلة بيئية على الإطلاق، وبالتالي لا توجد حاجة لحماية المناخ. ويضيف ديمبوسكي: "في الماضي حاولت حكومات اليسار الوسط، واليمين الوسط تنظيم الرأسمالية على نحو ساعد في حل المشكلات التي كانت تبرز في أثناء النمو الاقتصادي تمهيدا للوصول إلى دولة الرفاهية جنبا جنب حماية البيئة، ولكن المفاجأة نجاح الأحزاب الشعبوية أو أحزاب ما بعد الحقيقة بتشويه تلك السياسة وبالفوز في الانتخابات واستلام السلطة. ولما كانت الماركة الجديدة من القادة تنكر المشكلات بدلا من معالجتها، فقد نشروا الخوف بين الناس كيلا يكونوا أكباش فداء للمسؤولية البيئية ، وجعلوا شعارهم: الأمة أولا (أميركا أولا). ومن ذلك أن رئيس وزراء المجر الشعبوي فيكتور أوربان تبنى ما يسمى بقانون العبودية الذي يخير أصحاب الشركات بتشغيل موظفيها 400 ساعة إضافية في العام يدفعون لهم مقابلها بعد ثلاث سنوات. أما رئيس وزراء البرازيل الشعبوي الجديد جير بوسوناري فيرى أن حماية غابات الأمازون عبء غير ضروري ، وأنه يجب تدميرها لإحلال الزراعة والتنقيب عن المعادن محلها. إنه يرفض علمية حماية الغابات للمناخ، وهكذا يبتهج السكان بالمكاسب المالية العاجلة أو القصيرة المدى على حساب الكلفة البيئية المرتفعة الدائمة. إن حفنة من الناس الذين لا يدفعون الثمن هم الذين يستفيدون. إذا نجح ترامب وأمثاله من الشعبويين في سياستهم فسيتسارع ارتفاع درجة الحرارة. وقد يخرج عن السيطرة، أي قد يصبح الآتجاه غير قابل للعكس، وسيتسبب الطقس المتطرف بأضرار جسيمة، وستتراجع المحاصيل الزراعية، وتعود المجاعات، ولن يعيش أحد بأمان. ومع هذا يستمر الشعبويون الكذابون في الادعاء أنهم يدافعون عن الناس من إساءات النخبة، مع أنهم في الحقيقة يدافعون عن مصالحهم الدفينة (تذكر ترامب) إن التدفق النقدي في نظر هؤلاء أهم من حقوق الإنسان (تذكر ترامب) الذي حول أميركا إلى دولة مرتزقة. حجة هؤلاء الكذابين في مواجهة العلم أن أي عمل لمواجهة التغير المناخي غير لازم ولا معنى له، لأن التغيير المناخي حادث على كل حال.اضافة اعلان