الحكومة.. الاستعلاء وسياسة السادة والعبيد!

خلال الأسابيع الأخيرة، ظهرت في الأردن لهجة جديدة، لم يعتد الأردني على سماعها من السلطة ومن يمثلها.
وزير التربية والتعليم يرفض التشكيك بـ”إنجازات” وزارته التي تجر القطاع إلى كارثة محققة، ويتوعد. وزير آخر (بدون أن أسميه)، يعرض إنجازاته الوهمية بثقة مبالغ بها، ويهمش أي صوت معارض لسياسته، ويسخر منه، غير مكترث بأي رأي للمواطن أو الجهات الرقابية؛ رسمية أو شعبية. لسان حاله يقول بثقة لا تتناسب مع منجزه: هذا ما جاءكم. واشربوا البحر إن لم ترضوا!اضافة اعلان
الشواهد على الحالة الجديدة كثيرة، فمثلا حتى الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم، يتلبس الحالة هو أيضا، ويتوعد الكتاب والإعلاميين ورواد السوشال ميديا إن هم شككوا بإجراءات الوزارة في امتحانات التوجيهي الماضي!
وزير ثالث (بلا اسم أيضا)، اختلفت لهجته كثيرا عما كانت عليه في بداية الأزمة. في البداية كان قريبا ويتحدث باسمنا وبهمنا. اليوم باتت معظم إطلالاته تحذيرات وتهديدات وأوامر، تحملنا مسؤولية عودة تسجيل الإصابات بفيروس كورونا، رغم أن الجميع يعلم أن تراخي الإجراءات الرسمية على الحدود هو السبب الحقيقي لعودة الإصابات!
وزير الصحة د. سعد جابر، يستعين بميراث البطريركية، وهو يتحدث إلينا، معتقدا أن هذه “الأبوية” تجعله أكثر قربا، ولا يعلم بأنها تتسم بالاستعلاء، الذي لا يجوز مع المواطن.
أما رئيس الوزراء، د. عمر الرزاز، فقد أطل علينا متوعدا المشككين بأرقام إصابات كورونا.. طيب يا أخي: أنا أريد أن أشكك بها، حتى لو كان ذلك من باب المناكفة!
هل يستحق المواطن الأردني مثل هذا السلوك من قبل حكومة لم تكن مقنعة بنسبة كبيرة جدا، بينما تعامل المواطن معها من باب “الصبر على المصائب”!
بالتأكيد نحن لسنا مجموعة من العبيد التي اشتراها أحدهم ليتم مخاطبتنا بمثل هذا الاستعلاء الذي يظهر اليوم سافرا في الخطاب الحكومي. نحن مواطنون نؤدي جميع ما تتطلبه المواطنة من ضرائب تتعدى الدخل والمال، نحو استشراف المصلحة الوطنية التي نرفعها فوق كل ما سواها.
الخطاب الحكومي الذي استتب خلال الأسابيع الماضية تجاه المواطن الذي يحمل تحفظات عديدة على السياسات والإجراءات الحكومية معيب، وينبغي ألا يصدر من حكومة تدعي أنها حكومة نهضة، فالنهضة قبل كل شيء هي إطلاق الحريات وعلى رأسها حرية التفكير والرقابة والنقد!
اللهجة الحكومية بما تحمله من نظرة دونية للمواطن، تنم عن فهم خاطئ للمعادلة التي تحكم علاقة السلطة بالمواطن. فبالمفهوم الرومانسي، يتوجب أن تنطلق السلطة في قراراتها وأقوالها وأفعالها، من المصلحة الجمعية التي تتأسس على الفهم العام للخير والجمال بمعناهما الواسع، والذي لا يمكن له أن يفترق مع السائد العام. أما في البعد الواقعي، فتتحدد بالمفاهيم التي تراها الأغلبية وتقرها طريقا صحيحة للسير فيها. هنا، كيف يمكن أن نفهرس سياسات الحكومة التي تتعارض مع الطريقين السابقين؟! بالتأكيد لا يمكن فهرستها في هذين الاتجاهين!
لكن، يمكن لنا القول إن الميكافيلية تحكم عملها بصرامة واضحة، فهي تعلم أنها تمتلك قانون دفاع ذهبيا، تستطيع من خلاله أن تؤسس لعلاقة فوقية واستبدادية مختلة مع المواطن. في ظنها، أنها بامتلاكها قانون الدفاع، فهي تملك كل شيء. يمكنها أن تخفي الحقيقة، أو تحورها، أو تغيرها. أو تجعلها غير مرئية بواسطة القيود التي تفرضها على الإعلام.
أعمل في الإعلام المحلي منذ 23 عاما، وأستطيع أن أجزم أن الفترة الحالية التي نعيشها هي واحدة من أسوأ الفترات التي مرت علي في عملي، فالقيود الكثيرة المفروضة على الإعلام، تجعل تأثيره أقل من تأثير بسطة خضار في حي شعبي مهمل.
هل تريدون أن تعلموا عن الجهة التي أتحدث عنها؛ حسنا، إنني أتحدث عن حكومة النهضة، والتي ينبغي لها أن تراجع سلوكها تجاه المواطن، وأن تخفف من خطابها الاستعلائي الذي لا يمكن له أن يكون معبرا عن الحقبة الزمنية التي نعيشها اليوم، فهو ينتمي إلى خطاب العصور الوسطى الذي كانت السلطة فيه مصدرا وحيدا للحقيقة غير القابلة للقسمة.
هذا خطاب لا يليق بحكومة تدعي أنها نهضوية، وأنها تؤسس لعلاقة جديدة مع الشارع، عن أي شارع تتحدثون، وأنتم تصوغون علاقة معه أشبه ما تكون بعلاقة السادة والعبيد.