الحكومة الجديدة: عود على بدء

مرة أخرى يجب التأكيد أن الحكومة الجديدة، التي يرأسها الدكتور معروف البخيت، تضم عناصر ممتازة من كفاءات هذا البلد المتعلم.
وأعرف كثيرين منهم، ودخلت معهم في حوارات، ومعظم الذين حاورتهم لديهم فكر ورؤية. ولو جلست إليهم لَسَرَّك ما تسمعه منهم.اضافة اعلان
ولكن التحدي الذي أمامهم صعب. ولو نظرنا الى الخطابات الملكية السامية، سواء ما ألقي منها عند افتتاح مجلس النواب الحالي، أو رسالتي التكليف الى حكومة سمير الرفاعي الثانية والحكومة الحالية، فإن تأكيد القضايا الأساسية مستمر وثابت.
اقتصادياً، لا بد من الإصلاح ومواجهة مشكلتي البطالة والفقر، وسياسياً، لا بد من تعديل قانوني الانتخابات والأحزاب، واجتماعياً، لا بد من إطلاق الطاقات الكامنة للشباب وإدخالها ضمن المنظومة السياسية الاجتماعية لتحقق القدر الأعلى من الإنتاج والاستمرارية في بناء الوطن ومؤسساته.
وبالطبع، يرافق هذا كله قضايا مهمة، وعلى درجة عالية من الدقة؛ مثل موازنة الحكومة والدين العام، التضخم والبطالة، توزيع المغانم والمغارم، الانفتاح الإعلامي، الشفافية ومحاربة الفساد والمحسوبية.
أما في الجانب الاقتصادي، فيجب أن أشارك الكثير من المعلقين والكتاب الذين سبقوني في صحيفة "الغد" وشقيقاتها، في إبداء الشك في قدرة الفريق على تغيير المنحى الذي أدى الى تفاقم أزمة الموازنة والمديونية، أو حتى القدرة على اجتراح حلول خارج الصندوق. وستبقى وزارة المالية؛ أهم وزارة اقتصادية، تراوح مكانها.
أما في الشأن السياسي، الذي يجب أن يتلازم مع الشأن الاقتصادي، فأرى أن الدكتور معروف البخيت له طرح قدمه أكثر من مرة في منتديات ومحاضرات شاركتُ أنا في بعضها.
وهذا أمر مطمئن، ولكنني لا أعتقد أن من السهل تطبيقه بسبب أن لكثيرٍ من القطاعات تحفظات أساسية على بعض منها.
إن المشكلة الأساسية هي أن ثبات الفكر لدى مطبخ القرار (بالإذن من الدكتور محمد أبو رمان لاستخدام اصطلاحه) لا يقابله ثبات في الرؤية التنفيذية.
وهذا هو مصدر الخلل.
مطبخ القرار يضع التصورات والأولويات، ويقول للناس هذه هي المكونات الأساسية المطلوبة لعملية الإصلاح.
وقد رأينا استقراراً في هذه الرؤية الملكية في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة، ولكن الجهاز التنفيذي هو الذي لا يملك الرؤية الموحدة، ولا القدرة الكافية، وربما حتى الزمن الكافي، لتحويل الرؤى والمكونات الى قرارات تنفيذية فاعلة.
هل نحن بحاجة الى حل خَلاّق، يجعل هنالك تواصلاً وانسجاماً دائمين بين الرؤية الشاملة بمكوناتها الأساسية من ناحية والجهاز التنفيذي من ناحية أخرى؟ هل هنالك طريقة لإعادة تشغيل الطاقات والتجارب والحكمة داخل المؤسسة الحكومية وخارجها من أجل إنهاء هذا التباين الذي يهدر الطاقات، وتحويل الجهد المطلوب الى جهد منسق متدفق كالشلال المولد للكهرباء؟.
أعتقد أن الحكومة الحالية، بقصد أو عن غير قصد، سوف تجد نفسها بعد شهر من الآن محاصرة بالانتقادات والشك وتراجع الثقة.