الحكومة بين يدي النواب

بعد نحو أسبوعين سيلتئم مجلس النواب الجديد "الثامن عشر" في دورته الأولى. وعلى أجندته ثلاث أولويات رئيسية؛ انتخاب رئيس المجلس لمدة سنتين، بالإضافة إلى المكتب الدائم.  مناقشة بيان الثقة بحكومة الدكتور هاني الملقي. وثالثا، مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل.  اضافة اعلان
المنافسة محتدمة على رئاسة المجلس بين أقطاب من مجالس سابقة، ونواب يخوضون السباق لأول مرة.  بالنسبة للغالبية من أعضاء المجلس، الصورة غير واضحة؛ البعض بانتظار ضوء يأتي من بعيد، وآخرون حسموا أمرهم مبكرا. 
هوية الرئيس، وقدراته القيادية،  تلعب دورا مهما في تحديد اتجاهات المجلس، وتأثيره في السياسة العامة للدولة، وعلاقة السلطة التشريعية بالتنفيذية. 
مناقشات بيان الثقة بالحكومة ستكون مناسبة للتعرف على توجهات النواب الجدد في البرلمان، لكنها ليست معركة تحتمل نتائج غير متوقعة؛ إذ تشير معلومات أولية إلى أن الاتصالات التي بدأتها الحكومة مبكرا مع النواب، ضمنت لها تأييد مايقارب الثمانين نائبا. 
لكن كما في كل مباراة فإن المفاجآت متوقعة، لكن ليس إلى حد خسارة اللعبة. بمعنى آخر، فإن سياق المناقشات تحت القبة، قد يحمل تبدلات في المواقف، تؤثر بشكل غير جوهري على النتيجة النهائية. 
في مقابل كتلة المانحين، هناك كتلة صلبة من الحاجبين، لا تقتصر على نواب "الإصلاح" إنما تتعداها لتشمل طيفا نيابيا وصل إلى البرلمان وهو يحمل معه غضب الشارع الذي يئن تحت أوضاع اقتصادية صعبة. 
مشروع قانون الموازنة يعد في نظر السياسيين والمراقبين، تصويتا ثانيا على  الثقة بالحكومة.  وبقدر السخونة التي تشهدها مداولات الموازنة، يأتي التصويت عليها مغايرا في أغلب الأحيان،  للهجة الخطابات. 
عادة مايكون مسار العلاقة بين الحكومة والنواب في بداية عهدهم صعبا، وينطوي على قدر من المحاججة القوية والندية. وهو ما يتطلب من الحكومة صبرا على النقد والتجريح، وقدرة على استيعاب الانتقادات الحادة، والاستعداد للرد برواية متماسكة. ولنتذكر أن للنواب حقا حصريا لا تتمتع فيه الحكومة بتوجيه الانتقادات سواء كانت للبرامج أو للفريق الوزاري، أو حتى للوزراء منفردين. إنها سلطة الشعب وفق الدستور، وينبغي احترامها في كل الأحوال. 
ثلاثة ألغام ستكون في طريق الحكومة لعبور محطتي الثقة والموازنة؛ التشكيلة الوزارية، واتفاقية الغاز، وقضية المناهج. وفي القضايا الثلاث، لاتملك الحكومة هامشا واسعا للمناورة، أو التراجع؛ التشكيلة حاضرة تحت القبة، والاتفاقية تم توقيعها، والمناهج بين يدي الطلاب. ولا يمكن سحبها قبل انتهاء العام الدراسي. 
إذن ليس هناك من بديل لتسويات، ووعود بترتيبات مستقبلية، سيقبل بها فريق من النواب ويرفضها فريق آخر. 
غير أن التحدي الأكبر أمام السلطتين في المرحلة المقبلة، والذي تهون مقابله كل القضايا الشائكة، هو في بناء الإرادة المشتركة لضمان تنفيذ خطط الإصلاح في مجالات أساسية، وفي مقدمتها خطة إصلاح التعليم التي أقرت مؤخرا، وتعزيز سيادة وسلطة القانون في مناحي حياتنا المختلفة، وإعادة ترسيم العلاقة بين سلطات الدولة وفق التصورات التي طرحها جلالة الملك في أوراقه النقاشية، خاصة الورقة الأخيرة "السادسة".