الحكومة تعدنا بمزيد من الصعوبات

الحكومة مقدمة كما يبدو على مزيد من الضرائب والسياسات المالية التي سوف تزيد الأعباء على المواطنين، ولكن الحكومة في مقابل هذا الوضوح والبساطة في سياساتها الجبائية والإنفاقية ليست واضحة بشأن العدالة الضريبية والتهرب الضريبي والإعفاءات والتسهيلات الممنوحة وسياسات تسعير وتنظيم الطاقة والمحروقات، وعدالة الإنفاق العام وترشيده. لم تقدم الحكومة مؤشرات نظرية وعملية على الارتقاء بالتعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، يقال إنها سوف تعيد دعاء دخول الحمام إلى المناهج التعليمية، ولكنها لا تلاحظ غياب الحمامات في المدارس والمرافق العامة، ولا يبدو ثمة خطوة واضحة باتجاه الإصلاح والعدالة والحريات، ليس ثمة خطوة أو فكرة واضحة لدى الحكومة سوى المزيد من الضرائب في اتجاه غير عادل! لا بأس في تحرير الأسعار، ولكن ماذا عن عدالة التوزيع وكفاءة التحصيل، وعن الإنفاق الهائل الذي يقدمه الفقراء في البلد للأغنياء والمتنفذين، والمتمثل في تحمل الهدر والمجانية والهدايا في الماء والطاقة والنفط، وفي عدم المساواة في الضرائب وتحصيلها، وفي غياب العدالة في الفرص والتوظيف في القطاع العام والقطاع الخاص أيضا. وأسوأ من ذلك كله، عدم الوضوح والدقة في عرض المعلومات والتفسيرات. مؤكد أن سياسات التقشف والإنفاق والتسعير العادلة والمنطقية، خيار ضروري للإصلاح، ولكن ماذا عن منظومة الإصلاح الشاملة التي يكون تحرير الأسعار جزءا منها؟ ماذا عن العدالة الضريبية؟اضافة اعلان
عندما تتخلى الحكومة عن دعم السلع وتمويل الخدمات والمرافق يجب أن تتخلى أيضا عن الوصاية على المجتمعات والمدن وتساعدها في تنظيم نفسها، وأن ترفع يدها عن تنظيم الثقافة والإعلام لتكون المجتمعات على قدر من القدرة يساعدها على حماية نفسها من الشركات التي تقدم الخدمات بدلا من الحكومة، فإذا عجزت المدن والمجتمعات عن تنظيم نفسها حول احتياجاتها ومطالبها واولوياتها فإنها سوف تتحول إلى خدمة وحراسة منظومات اقتصادية واجتماعية مصممة لاستغلالها، وتعمل ضدها.
يبدأ الإصلاح والكرامة والحريات بتنظيم اجتماعي للناس قائم على وعي مباشر بما تحب الشعوب ان تكون عليه، الطاقة والمياه والسلع الأساسية والغذاء والدواء والتخطيط الحضري لمدنها وأحيائها وبلداتها، الحدائق والفضاءات العامة، السكن والطعام واللباس والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والمكتبات العامة والأرصفة والمرافق العامة والرياضة والثقافة والفنون والموسيقى، والدين...
وفي تشكلها هذا تنشئ مجتمعات ومدنا وأسواقا توفر بنفسها ولنفسها ما تحتاج إليه، وتختار بناء على مصالحها وتطلعاتها حكومات لإدارة هذه المرافق والأولويات تكون ذات ولاية كاملة عليها وقادرة على محاسبتها وعزلها بل والاستغناء عنها.
ولكن في ظل التراجع الكبير في الخدمات العامة الأساسية وتحويلها إلى سلع استثمارية وربحية، فمن المؤكد في ظل استمرار هذا الوضع الاقتصادي الاجتماعي القائم أن هذا الجيل سوف يكون عاجزا عن إرسال أبنائه إلى المدارس الخاصة أو تدريسهم في الجامعات، ولن يكون قادرا على توفير الفرص التي أتيحت له للجيل التالي.
سوف يكون البلد مقسوما الى قسمين مختلفين عن بعضهما في كل شيء، قسم يحظى بالمؤسسات والخدمات، وقسم آخر هو الأغلبية لن يتمكن من الوصول الى هذه الخدمات، لن يكون أمام الأغلبية من الناس فرصة سوى العمل في شروط قاسية في خدمة الأقلية المهيمنة، أو انتظار صدقاتهم وتبرعاتهم!
وإذا استمر الأداء العام وبخاصة في الخدمات الأساسية الضرورية كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية في مساره هذا فسوف نتحول خلال عشر سنوات إلى بلد لا يحظى فيه 80 % من السكان بفرص التعليم والعلاج، سوف نتحول إلى شعب من المحرومين تتحكم فيهم أقلية محظوظة، سوف نعود إلى الإقطاع، أغلبية محرومة من كل شيء وأقلية تحظى بكل شيء، ويبدو أننا نسير في هذا الاتجاه بوعي وتخطيط مسبق!