الحكومة تكسب الثقة والنواب يخسرونها


اجتازت الحكومة اختبار ثقة مجلس النواب الأحد الماضي بعد أن تقدمت مجموعة من النواب بمذكرة لحجب الثقة عن الحكومة. تجديد الثقة البرلمانية للحكومة يعدّ انتصاراً لحكومة الملقي التي شكلت "خلية أزمة" لإدارة قضية طرح الثقة بالحكومة، وكانت أقرب ما تكون الى أزمة كما يدل مصطلح "الخلية" التي تم تشكيلها.اضافة اعلان
دستورياً، البرلمان والسلطة الدستورية هي التي تمنح الثقة أو تسحبها من الحكومة، وعليه فإن تجديد الثقة بالحكومة من جانب البرلمان هو انتصار للحكومة بمنحها فرصة أكبر للبقاء بالدوار الرابع.
المنطق السياسي يقول إن البرلمان المنتخب يعبر عن صوت الناخبين أو المواطنين، ومن ثم فإن الثقة هي نظرياً أيضاً شعبية. ولكن ليس في هذه الحالة، فقد جاءت الثقة بالحكومة في ظل أجواء شعبية غير راضية عن قرارات الحكومة الاقتصادية التي يتم التعبير عنها جماهيرياً من خلال الاحتجاجات، وإعلامياً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
لقد امتدت القضية الشعبية والمعارضة لمجلس النواب أو للنواب الذين منحوا الثقة. وهذه ليست المرة الوحيدة الي يأخذ الناس موقفاً معارضاً من النواب الذين منحوا الثقة للحكومة، ولكن قد تكون المرة الأولى التي كانت بها الردود حادة على قرار مجلس النواب من القواعد الشعبية للنواب الذين منحوا الثقة، سواء كان ذلك من خلال التعبير عن هذا الأمر بوسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال البيانات والعرائض التي صدرت عن فاعليات في المناطق التي يمثلها بعض النواب الذين أعطوا الثقة للحكومة. صحيح أن بعض الانتقادات والأصوات كانت حادة وجارحة، ولكنها تشكل حالة سياسية نوعاً ما جديدة على المجتمع الأردني. هذه الاحتجاجات قد تكون مؤشراً إلى تفاقم أزمة الثقة بين المواطنين والنواب الذين انتخبوهم.
من منظور شعبي، فإن الثقة التي حازت عليها الحكومة لا تعبر عن تجديد النخبة السياسية الثقة ببعضها بعضاً، ولا عن تجديد الشعب ثقته بالحكومة، وإنما جاءت تعبيراً عن المصالح المتبادلة بين أقطاب السلطة التنفيذية والشعبية.
إحدى الملاحظات المهمة على الموقف الشعبي سواء كان من الحكومة أو مجلس النواب، هي ضعف التواصل مع القواعد الشعبية، سواء من قبل الحكومة أو النواب أنفسهم . ففي الدول الديمقراطية يجهد السياسيون في إقناع المواطنين بسياساتهم ومواقفهم حتى لو كان هناك من يعارض تلك السياسات. كما أن المواطنين بحاجة دائمة في عصر ثورة المعلومات للاستماع من المسؤولين أو من ممثليهم ليس فقط عن القرارات التي يتم اتخاذها، وإنما أيضاً عن رؤيتهم لكيفية معالجة الأمور، وتبرير أو تفسير لهذه السياسات والقرارت.
بشكل عام ، يبدو أنه لا توجد قناعة أو شعور بالحاجة للتواصل مع المواطنين حول القضايا والمواقف والقرارات التي يتخذونها، إما من باب عدم إدراك أهمية التواصل، وهنا افتراض حُسن النية أو من باب عدم الاكتراث لآراء الناس لاعتقادهم بأنها غير مهمة لهم، وفي كلتا الحالتين هناك مشكلة سواء في الحالة الأولى أم في الثانية.
يعتقد البعض أن محاولة الحصول على رضا الناس هي من باب الشعبوية. وهذا غير دقيق، لأن الشعبوية هي الانصياع لرغبة الناس ومشاعرهم وإخبارهم عما يرضيهم. كما أن  التواصل مع الناس واتخاذ قرارات لصالحهم ليس من الشعبوية بشيء لا بل هو جوهر الديمقراطية.
عندما يكون لدى السياسيين قرار أو سياسة معينة يجب أن يروجوا لها، ويحاولوا إقناع الناس بها، وهذا من الممارسات الديمقراطية الفضلى، وهي عكس الشعبوية.
صحيح أن النواب الذين منحوا الحكومة الثقة قد خسروا  أمام قواعدهم الانتخابية، إلا أن ذلك ليس  بسبب إعطاء الثقة فقط، وإنما لأنه كان على النواب  أيضاً طالما أنهم مقتنعون بقرارهم بمنح الثقة أن يفسروا موقفهم للناس، ويدافعوا عنه، ويحاولوا إقناع الناس بذلك، والشيء نفسه ينطبق على الحكومة، إذ إن سر نجاح الحكومات ليس فقط باتخاذ القرارت الصائبة، وإنما أيضاً بمحاولة إقناع الناس بصواب مواقفهم.
الحكومة مساءلة من قبل النواب والنواب مساءلون من قبل الشعب، فمنح الثقة للحكومة فاقم من تراجع شعبية النواب لدى الشعب. وعلينا أن ننظر أيضاً  للانتخابات المقبلة للتيقن من ذلك بصورة نهائية.