الحكومة والمعلمون: لكي لا يخسر الجميع

يتراءى للمتابع بأن الحكومة لم تتمتع بالحصافة الكافية في تعاطيها مع توجه المعلمين نحو الاعتصام يوم الخميس الماضي، وربما لم تستطع تقدير حجم الأزمة التي ستواجهها، والتي أنتجت إعلان النقابة عن إضراب مفتوح داخل أسوار المدارس اعتبارا من اليوم، فيما تمترست النقابة خلف موقفها الصلب من دون أن تفكر في تقديم تنازلات أو منح الحكومة مزيدا من الوقت بهدف الوصول إلى حلول وسطى، لتتحول المسألة إلى قضية تعنت غير مبررة، ضحيتها الأولى والأخيرة هم الطلبة والعملية التعليمية برمتها.اضافة اعلان
نتعاطف مع مطالب المعلمين الذين هم أساس صروحنا التعليمية، وهم من نأتمنهم على أطفالنا، وندرك أن تحسين وضعهم المالي سيعود بالفائدة على استقرارهم النفسي، وعلى وضعهم الاجتماعي ككل، وبالتالي على تأدية مهامهم في رفد الطلبة بالمعرفة التي يحتاجونها، لكن في الوقت ذاته على النقابة أن تتفهم أن حل الأزمة والوصول إلى ما تريد لا يتم بهذا الشكل، وحالة فرض الأمر الواقع على الدولة بعيدا عن لغة الحوار والتفاوض من شأنه تصعيب مهمة احتواء الملف، وهذا ما بدا واضحا في جولتي الحوار التي شهدهما يوم أمس برعاية نيابية، حيث كان التصلب بالموقف (الحكومي والنقابي) قد سبق عقد اللقاءين، وبالتالي كانت النتيجة واضحة ومحسومة، وهي الفشل.
الإعلان عن إضراب مفتوح اليوم، يؤكد أن النقابة تلوح بأقسى أنواع الأسلحة في هذه المعركة قبل أن تصرف ساعات وساعات من التفاوض لتحقيق أعلى ما يمكن تحقيقه من مكاسب. المسألة ليست تحت عنوان "لمن الغلبة اليوم؟"، فمصلحة الوطن يجب أن تسمو على موقفي الحكومة والنقابة.
المدارس لا شك أنها ستخلو اليوم من طلبتها، ويا له من مشهد مؤسف، حيث لن يعمد الأهالي إلى إرسال أبنائهم إلى الغرف الصفية في هذا الجو المشحون الملبد بالغيوم، وهي حالة كان من الممكن جدا تفاديها قبل يوم الخميس لو تعاملت الحكومة بإطار يخلو من لغة التحدي، وأيضا لو سمت نقابة المعلمين عن لغة "أكون أو لا أكون". الكل سيدفع ضريبة تطور الأحداث بهذا الشكل، فماذا بعد الإضراب المفتوح إذا ما تمسك كل طرف بموقفه، ورفض تقديم أي نوع من التنازلات؟
المقترحات التي تقدم بها الوفد الوزاري خلال لقائه نقابة المعلمين كان من الممكن جدا التباحث حولها بغية الوصول إلى صيغة مرضية من شأنها حماية مصلحة الطلبة بدلا من اللجوء إلى الإضراب حتى تحقيق المراد، وهو الحصول على علاوة الـ50 %، وهي نسبة تهدد النقابة بزيادتها كلما تأخرت الحكومة عن تلبية مطالبها، ما فتح شهية نقابتي الأطباء والمهندسين اللتين سارعتا أمس إلى تبني المطالب نفسها لمنتسبيها، فيما الأردن يرزح تحت وطأة أوضاع اقتصادية غاية في الصعوبة.
الحكومة تتحمل مسؤولية اطمئنانها إلى أن الأمور لن تؤول إلى ما وصلت إليه، والنقابة بدورها مطالبة بالتوقف عن تصعيدها والتلويح بورقة الطلبة. على الطرفين العودة إلى مسافة أمان مناسبة قبل الخوض بجولة جديدة من الحوار والتفاوض، تقوم على أساس مصلحة الوطن لا غيره، وإلا فإننا أمام صراع "كسر عظم"، سنكون فيه جميعنا خاسرين.